اليوم وبينما يتحضر كل من الروس والنظام السوري لمعركة إدلب تظهر أمريكا بمظهر المتردد أو بالأحرى بمظهر الضائع والحائر. وبينما الروس يتقدمون في سوريا وينفذون استراتيجية متماسكة لا تظهر من أمريكا أية خطة أو أية ثبات. فعهد أوباما اتسم بالانكفاء والتردد والتراجع عن خطوط حمراء. وعهد ترامب يتسم بالتذبذب فتارة يعد الشعب الأمريكي بإعادة شبابه إلى الديار وتارة يعد بإعادة الاستقرار إلى سوريا. فالتضارب قد ضرب هذه الإدارة حتى النخاع. أول مشاكلها عدم ثبات المسؤولين فبعد عام من تولي تيلرسون منصب وزير الخارجية أقيل من منصبه وعين بومبيو. وبالرغم من أن بومبيو قد بدا أكثر حزما ًمن سلفه ولكن حتى الآن لم ياتِ بسياسة واضحة ومتكاملة ومتماسكة تجاه المنطقة عامة وسوريا خاصة. وحتى الآن منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط خالٍ. وقد عين دايفيد شنكر لهذا المنصب ولكنه لم يتولَ مهامه بعد بالرغم من مثوله أمام الكونغرس في يونيو الماضي وذلك بسبب مكائد سياسية بين الديمقراطيين والجمهوريين. وبينما ليس هناك من توافق داخل الإدارة على استراتيجية واضحة وثابتة فالمزاج العام الأمريكي الانعزالي يزيد من الطين بلة. فالمواطن الأمريكي يرى سوريا كبلد بعيد تنهشه الطائفية ويصعب على أمريكا حل مشاكله ولذلك ليس هناك أي قبول شعبي لمزيد من التدخل في سوريا. ولكن أهمية سوريا تتعدى سوريا بالنسبة لأمريكا فدور أمريكا في سوريا ينعكس على دورها في المنطقة والعالم. ويرى صناع السياسة أهمية التواجد الأمريكي في سوريا خاصة في وجه التمدد الروسي الذي يسعى لأن يأخذ دوراً ريادياً في المنطقة. ولكن يصعب عليهم تسويق هذه الأهمية لعامة الشعب التي أثقلها إرث حروب بوش كما رأت في التدخل الأمريكي في ليبيا سبباً لحرب أهلية. وهنا على صناع السياسة في أمريكا تجاوز التناحرات الحزبية والمكاسب الشعبية والنظر ببعد إلى موقع أمريكا في العالم.. والسؤال، هل أمريكا والنخب الأمريكية والشعب الأمريكي يريدون أن تبقى أمريكا كقوة عظمى أم لا؟ إن كان الجواب نعم فعلى النخب والإعلام تثقيف الناس على أهمية أن يكون لأمريكا دور فعال في حل الأزمة السورية. وعلى تلك النخب توعية الناس أن هذا الدور وهذا النفوذ لا يأتي دون تضحية. وإن ارتأى الشعب الأمريكي أن لا حاجة لأن تكون الولايات المتحدة دولة عظمى، فما هي إلا مسألة بضعة أعوام حتى تتحول أمريكا لدولة مثل ألمانيا أو اليابان ولكن بناتج قومي أعلى.