جاء خبر وفاة حنا مينه الكاتب الروائي اللاذقي مؤلماً.. ذا وقع كبير ليس على المجتمع السوري فحسب.. وإنما على المجتمع العربي والعالمي.. مينه الذي سمعت نعي خبر وفاته بلغات أعرفها ولا أعرفها.. هو من أبرز الكتّاب الروائيين العرب الذي ولد على يده أربعون عملاً روائياً مميزاً.. منها «حكاية بحار، المصابيح الزرقاء، حمامة زرقاء في السحب، بقايا صور، الربيع والخريف، ونهاية رجل شجاع».. وغيرها من الأعمال التي نجحت وحوّلت بعضها إلى مسلسلات وأفلام.. إلى جانب أن حنا يعتبر من المساهمين في تأسيس رابطة الكتاب السوريين التي نظمت بدورها أول مؤتمر للكتاب العرب عام 1954.

هذا الروائي خاض في شبابه حياة شقية صعبة تغلّب عليها وانتصر.. حيث تحوّل من منذور الشقاء إلى مبدع العطاء.. وهي رحلة مضنية تؤكد قدرة هذا الكاتب على خلق عالم إبداعي احتار في تفسيره النقاد.. ولكن السؤال المحيّر الذي ظل لغزاً يحتاج تفسيراً.. لماذا طلب قبل وفاته بعشر سنوات ألا ينشر خبر موته؟؟

هل يكفيه أن يرثيه البحر الذي تأثر به كثيراً.. وكان واضحاً جلياً في أعماله الروائية؟؟ أم لأنه يعلم بأن الكلام الذي سيقال في رثائه لا يسمن ولا يغني من جوع.. وأن موج البحر كفيل أن يعيش على شذا ذكراه؟؟ أم لأنه أراد أن يعيش ببساطة ويرحل عن الدنيا ببساطة أيضاً؟؟ أم لأننا نعيش في عالم يتصف بتسليط الضوء على بعض الأقلام.. وأن يعيش حبر بعضها في الظلال حتى يموت صاحب القلم.. فحينها لا يفيد البكاء على الأطلال!!

مينة الذي كانت أعماله تتصف بالواقعية والصدق.. والتي لامست القضايا الاجتماعية.. كقضايا اضطهاد المرأة والاستغلال والجشع.. ونصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض.. هل أخذ نصيبه كغيره من الكتّاب؟! سمعته مرة في إحدى مقابلاته التلفزيونية يردد بأن الكتابة ليست إسوارة من ذهب.. وكان كلامه يحمل في طياته شيئاً من الألم واليأس.. لم كل هذا اليأس يا حنا؟ هل لأن القدر اختارك أن تكون أديباً فحملت كل هذا الحزن؟!

إن الروائي ثروة وطنية لها قيمتها.. يحتاج كل التقدير من المجتمع ومن الجهات المختصة.. يحتاج إلى الاحتواء والأخذ بيده، ومؤازرته في مراحل تطوّره.. ودعّمه من الجهات المسؤولة وإعطائه جميع التسهيلات في حياته وليس رثاءه أدبياً بعد موته، وبأنه العظيم الذي فعل وقدّم وأنجز!!

إن حنا والكثير من جيله الذين كانوا كوكبة العمل الروائي.. والذين تعلّمنا على يدهم الكثير.. تعلمّنا ما هي الرواية.. وما هي عناصرها.. واستمتعنا بروعة معنى الرواية بما كانوا يتناولونه في رواياتهم من قضايا.. وكيف كانوا يعالجون الكثير من الموضوعات العاطفية والتاريخية والاجتماعية والسياسية.. حيث كان هذا العصر عصراً أدبياً ذهبياً لامعاً.

اليوم نحن في خريف تتساقط فيه الأعمال القيّمة برحيل هؤلاء الكبار.. ولكن الأمل باقٍ.. ونحن على صحو ربيع أدبي يبرز كتاباً روائيين ينتجون أعمالاً توازي ما قدّمه هؤلاء الرموز الأدبية.. نناشدكم أيها الشباب الروائيين.. لا تسقطوا أوراقهم.. اجعلوهم باقين في أذهانكم.. تتعلمون من تجاربهم.. وتطورون من إبداعاتكم.. لتنتجوا أعمالاً أدبية عربية حديثة تعلق في الأذهان عبر العصور.. كما علقت وأثرّت أعمالهم فينا.

فوداعاً حنا مينه.. لا تقلق -وإن رحلت- ستبقى في قلوبنا كشغف بحّار للبحر.. وشجاعة محارب يدافع عن الحق.