جراء قصور حركة الأفندية والملالي، قادت العشائر العراقية ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال البريطاني صيف 1920. وفي ساحة ثورة العشرين، بمحافظة النجف تجمع المتظاهرون بعد ما يقرب من مائة عام بمشاركة شيوخ العشائر الذين شاركوا المتظاهرين ورفعوا بيارق ورايات بأسمائهم، فدب الهلع في قلب المنطقة الخضراء. فرؤساء العشائر صاروا يساهمون بشكل فاعل في صياغة العملية السياسية، لتراجع الكيان السياسي لسلطة الدولة، بل وأعلن مجلس شيوخ العشائر عن براءتهم من أبنائهم في القوات الأمنية ممن يعتدون على المتظاهرين، لكن وساطات قادتها الحكومة مع شيوخ عشائرية كبحت "مليونية الجمعة" 20 يوليو 2018، مما جسد بشكل واضح تجدد دور العشيرة في فرض آليات الضغط المجتمعي. والصورة نفسها تكررت أكثر من مرة، ففي سوريا يحاول النظام تعبئة العشائر ضد الوجود الأمريكي والغربي فيما يشارف بدعم روسي على إحكام السيطرة على جنوب سوريا مما دفع الملتقى الوطني للقبائل والعشائر بالحسكة للتلاحم مع النظام. وفي اتجاه معاكس أعلن المجلس الأعلى للعشائر والقبائل السورية، 19 يوليو 2018، عن رفضه منح الشرعية للنظام السوري. أما في لبنان فيحاول حزب الله تشكيل "لواء القلعة"على شاكلة قوات الحشد الشعبي في العراق، من العشائر في البقاع. ويتكرر اعتماد الحكومة التعبوي على العشائر في سيناء. أما ليبيا فمازالت كما وصفها هيرودوت منذ 2500 عام قبائل بدو رحل متحالفة لغاية، أو متناحرة لغاية وإن اختلف ترحلهم وتنوع اليوم عن سابقه، وصار ترحلاً ولائياً، بعدما كان مجرد ترحل مكاني. -كما كتب عبدالواحد حركات- والمعركة القادمة في ليبيا ستكون بين ثلاث حكومات تتنازع على إدارتها هي المؤقتة والوفاق والإنقاذ، وكل طرف يحاول توحيد مختلف عشائر ليبيا خلفه انتخابات 10 ديسمبر القادم. وفي الخليج لم تعد القبيلة في الكويت -كما كتب مبارك الجِرِي- "مجرد تنظيم اجتماعي بدوي، قائم على استحضار العادات والتقاليد من التاريخ، ولم تعد القيم الصحراوية المصدر الوحيد الذي يشكل الشخصية والتفكير"، بل نكاد أن نقول نحن إن القبيلة بانخراطها في الحياة السياسية واللجان الخيرية التي تتبعها وتخدم كل المجتمع تكاد أن تتحول إلى إحدى منظمات المجتمع المدني، خصوصاً أن أمير القبيلة لم يعد المسؤول عن توجهات القبيلة أو المرجع السياسي لها، وهذا ما يفسر قلة ترشح أمراء القبائل في المعارك الانتخابية البرلمانية مؤخراً. وهذا يؤكد أن البنية العشائرية أبرز سمات المجتمع العربي؛ لكن فكرة القبيلة همشتها حركة القوميين من جورج حبش، ووديع حداد، وميشيل عفلق تأثراً بقسطنطين زريق، الذين بحثوا في الظاهرة القبلية بصفة تعسفية في الشرق، وفي المغرب كان ينظر القوميون للاماغيزية كقبلية رجعية أيضاً مما دق إسفيناً يهدد بالتقيح ولو بعد حين.
بالعجمي الفصيح
عودة العشائر للمشهد التعبوي العربي تشي بأن العشيرة لم تعد مجرد تنظيم اجتماعي بدوي، بعد أن صارت شكلاً لمجتمع ما قبل الدولة، والآن شكلاً لمجتمع ما بعد الدولة أيضاً في العراق وليبيا وسوريا، فبداوة القبيلة تهمة وتحضر غيرها تهمة أيضاً.