ليس بغريب على حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وأيده بنصره، إنشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، فجلالته من الأوائل الداعين والمناشدين للتعايش السلمي بين الأديان، فدائماً وفي كل محفل يفتخر عاهل البلاد المفدى، بهذا التنوع على أرض المملكة، بل تميزت مملكة البحرين بأن تكون من الدول القلائل التي تراعي كفاءة العنصر البشري في العمل لمنصب من المناصب القيادية في البلاد قبل أن ينظر إلى عقيدته أو مذهبه أو عرقه، إيماناً من عاهل البلاد المفدى بأن البحرين بلد الجميع، وأن الولاء للوطن متطلب سامٍ للارتقاء بالشعب أجمع بغض النظر عن العرق أو الدين، فقد غرس جلالته في أبنائه وشعبه الانتماء برغم اختلافاتهم الدينية، وحرص على حقوقهم في اعتناق الأديان والتعبير عنه من خلال عبادات كل دين أو مذهب، وقد لامس المجتمع الداخلي والخارجي العدل الذي ينهجه جلالته حفظه الله مع شعبه أجمع، وما بناء المساجد والمآتم والمعابد والكنائس إلا صور حية للممارسات التي نشاهدها لهذه الحريات والحقوق.

مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي هو نموذج من النماذج التي تحرص عليه البحرين بقيادة صاحب الجلالة حفظه الله، ويعكس الموروث الجميل في التعايش السلمي، فالتعايش في المجتمع بتنوع عقائده هو ثقافة هذا البلد وموروث جميل من جيل إلى آخر لما في ذلك من رسالة هامة بأن هذه الثقافة راسخة مع تقبل كل فرد للآخر في بلد يحيطه التعايش والوئام والوحدة، فصفة التسامح سمة من سمات هذه الثقافة التي تتبلور وتنمو تلقائياً في المجتمع، ولو استعاد البعض الذكريات لوجد هذه الثقافة موجودة في تآلف المجتمع مع بعضه سواء كانت هذه الذكريات منقولة له من أجداده أو آبائه أو عاصر الفترة التي كانت فيها البيوت مفتوحة للجميع، فالمملكة لا تحتضن الطائفتين الكريمتين السنية والشيعية فقط وإنما تضم أيضاً الديانات العديدة الأخرى مثل المسيحية واليهودية وغيرها، فهي بلد التعايش ومركز للتسامح وأرض الجميع منذ آلاف السنين.

«أم جان» قابلة قانونية جاءت مع زوجها إلى البحرين، البعض يقول إنها يهودية والآخر يقول إنها مسيحية وأياً كانت ديانتها فهي امرأة خدمت البحرين كثيراً وبادلها المجتمع البحريني بكثير من الاحترام والثقة، بل اعتبرتها عوائل المحرق بأنها إحدى أفراد الأسرة، أذكرها «أم جان» عندما كنت صغيرة فهي تمثل السيدة التي تهتم بالجميع، فالثقة المتبادلة كانت نابعة من احترام الجميع لعقيدة الآخر، ففريج المعاودة في المحرق كان مزيجاً متناغماً من عوائل سنية وشيعية، وبحسب ما سمعت بأن «أم جان» لها قدر كبير عند أهالي المحرق، فقد اختارت في إحدى المرات اسماً لمولود في المحرق، فقد أعطيت حق من حقوقها لأبناء ولدوا على يدها، فهذا هو التقدير والحب للسيدة الفاضلة «أم جان». وحادثة أخرى سردها لي رجل رحمه الله في مقام أبي كان دائماً «يسولف لي عن لول» رحمه الله وأسكنه فسيح جناته -هذا الرجل أفتقده وأفتقد طيبته ومحبته لي- أذكر بأنه سرد لي واقعة حدثت بينه وبين صاحب الصرافة «نونو» وهو أحد أعيان اليهود في البحرين الذين كانت بصمته واضحة في تقدم البحرين في مجال الصرافة والتجارة، قال إنه تجمعه مع نونو علاقة طيبة كون الآخر له تجارته في سوق المنامة، حدث أن احتاج هذا الرجل -وكان حينها شاباً- أراد صرف مبلغ كبير من المال لعملة أجنبية لحاجته الماسة للسفر مع زوجته لإجراء عملية لها في الخارج، وكان يوم جمعة حيث كانت الأسواق والمتاجر جميعها مغلقة، فاضطر هذا الرجل بأن يذهب إلى بيت نونو حتى يصرف له المبلغ، وبالفعل صرف له المبلغ بالعملة الأجنبية وقال له الوجيه نونو احتفظ بالمبلغ لحين عودتك من رحلة العلاج لربما احتجت له، وبالطبع عندما عاد الرجل وزوجته من رحلة العلاج ذهب إليه شاكراً وأعطاه المبلغ «حقه»، الجميل في ذلك أن الوجيه نونو لم يكتب إيصالاً أو رصيداً بالمبلغ الذي صرفه، فقد كانت الثقة المتبادلة بينهما ومعرفة كل منهما للآخر كفيلة بأن تقوم مقام الرصيد أو الإيصال، وهذا نادراً ما يحدث، ولكن المجتمع البحريني بني على ثقة هؤلاء الناس من جميع أطياف المجتمع، ومازلنا متحابين ومازالت قلوبنا عامرة بحب الوطن، وقد التمست أنا شخصياً ذلك عندما ذهبت مع مجموعة لزيارة أحد المعابد في البحرين، والتمست محبتهم للمملكة وتقديرهم الكبير لجلالة الملك حفظه الله على جهوده في جميع الأصعدة، وهذه هي البحرين، شعب طيب متسامح يتعايش مع الجميع، وأنا على يقين بأن مركز الملك حمد الدولي للتعايش السلمي سوف يجسد صوراً أسمى وسوف تكون البحرين منارة لهذا التعايش بفضل الجهود الكبيرة التي تواليها كل من يضع يده بيد عاهل البلاد حفظه الله وينتهج نهجه للتعايش والتسامح، ونحن على خطاه أطال الله في عمره.