جاء في الخبر الذي نشرته الصحف المحلية قبل نحو عشرة أيام مايلي: «من المزمع أن يناقش مجلس النواب مقترحاً بقانون يقضي بتجريم التشبه بالجنس الآخر. ويتضمن القانون إضافة مادة لقانون العقوبات نصها «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل ذكر أو أنثى أتى علناً في مكان عام فعلاً يتشبَّه فيه بالجنس الآخر أو ظهر بمظهر غير لائق ينافي الآداب العامة والعادات المرعية في المملكة».

كان لهذا المقترح ردود أفعال عقلانية ومنطقية من طرف ثلاث جهات مهمة أحببنا مشاركتها هنا باختصار حتى تكتمل الصورة. الرأي الأول والصريح كان للمؤسسة العامة لحقوق الإنسان والتي تحفّظَتْ على مقترح القانون، حيث أكدت بأن القانون: «واسعاً فضفاضاً وغير محدد لسلوك التشبه بالجنس الآخر، ودون مراعاة في ذلك للجوانب الجسمانية والنفسية التي قد يعاني منها الشخص المتشبه، مما يستلزم إعادة صياغته». وأشارت المؤسسة إلى «أن الكويت سبق وأن أقرت تشريعاً مماثلاً مما جعله عرضة للانتقاد من قبل منظمات المجتمع المدني، وحتى المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان». من جانبه أكد المجلس الأعلى للمرأة «أن النص المقترح سيؤدي لفتح مجال واسع لتفسيرات وتأويلات عديدة بسبب عدم وضوح المقصودين فيه وغموض الفعل المطلوب الامتناع عن القيام به وخاصة من قبل القائمين على تنفيذه إن لم يكونوا مؤهلين لتطبيق هذا النوع من النصوص».

من جانبها -وهي الأهم- باعتبارها الجهة التنفيذية قالت وزارة الداخلية: «إن فقه وفلسفة قانون العقوبات تنص على عدم جواز القياس أو التوسع فيه، سواء في الألفاظ أو الأحكام أو الأوصاف الإجرامية وذلك لكون قانون العقوبات قانوناً جزائياً يجب أن تكون ألفاظه ومقاصده وأحكامه محددة غير مبهمة أو واسعة أو مطلقة بل يجب أن يكون الفعل المجرم فيه محدداً واضحاً للكافة لا يعتريه اللبس أو الإبهام، لذا فلابد من تحديد دقيق للألفاظ الواردة في المقترح».

نحن نقدِّر للإخوة النواب هذا المقترح الذي جاء في مذكرته الإيضاحية بأن الهدف منه هو: «المساهمة في الحفاظ على الآداب العامة بتأثيم فعل التشبه بحسبانه ضرباً من ضروب الفعل الفاضح العلني المخل بالحياء....»، لكننا لا يمكن أن تقر السلطة قانوناً يتنافى مع مسلك الدستور وإدخال البلد في حسابات وتأويلات معقدة للغاية في هذا المجال، خصوصاً بعد فشل القانون في دولة الكويت الشقيقة ودول عدَّة، ناهيك عن وجود الكثير من الإشكاليات القانونية التي تعتري المقترح. إضافة لكل هذه الإشكالات القانونية الواضحة سيكون الإشكال الأكبر هو اصطدام الجهات التنفيذية بالتفسيرات والتأويلات لقانون «هلامي» مما سيوقعها في حرج شديد للغاية على أرض الواقع، بل ربما يعرِّضها حال تطبيق المقترح -لو تمت الموافقة عليه- لمخالفات قانونية جسيمة في الوقت الذي يجب أن تكون هي الجهة المنفِّذة للقانون. نتمنى أن تُعَالَج هذه القضايا من طرف النواب بشكل هادىء للغاية ووفق مناهج علمية وقانونية بعيداً عن العواطف أو الدخول في حسابات معقدة ومحرجة محلياً ودولياً.