تغيرت إلى حد ما السياسة الأمريكية بعد انتخاب رئيسها الحالي دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وقد ظهرت تصريحاته النارية ضد السياسات السابقة لباراك أوباما حول دعمه للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن السؤال الجوهري المطروح هو، لماذا لم يتحدث ترامب في كلمته في الأمم المتحدة عن إرهاب قطر؟
بعض السياسيين العرب يرون أن السياسية الأمريكية قد تغيرت وأن العائق أمام ترامب هو الخلاف الحاصل بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع، غير أن هناك من يذهب الى أن سياسة ترامب لم تتغير عن سلفه أوباما وما يحدث هو مجرد حديث على شاشات الإعلام من دون أي تحرك فعلي على أرض الميدان، والأخير يذهب أن الملف القطري هو ملف مرتبط بإرهاب إيران.
نصل إلى نقطة مهمة من هذه الآراء وهي أن السياسة الأمريكية منذ احتلال فرجينيا في عام 1607 وهي تذهب إلى السيطرة على كل شيء وأنها تريد التحكم بكل مفاصل الأزمات التي تمس مصالح أمريكا، ففي الأزمة القطرية ترتبط أمريكا والدول الأوروبية بمصالح ضخمة، وفي استمرار الأزمة هم يرون كيف لهم استغلالها لكسب الأموال من قطر كونها هي الحلقة الأضعف والطرف الذي يحتاج إلى قارب الإنقاذ إلا أن ذلك سيحرج تلك الأنظمة لدى الرأي العام الدولي.
في حين أن أمريكا تملك قاعدة «العديد» بقطر التي تعتبرها الشريان العسكري المهم بالشرق الأوسط، ورغم التقارير الإعلامية التي ظهرت حول نقلها إلى أنقره، فقد ظهر أن الأمر مجرد تكهنات وليست معلومات مبنية على دراسات استراتيجية قائمة على حقائق يمكن الاستفادة منها في حالة نقل القاعدة، فقاعدة العديد بموقعها الحالي تضمن الوصول إلى مناطق الصراع في شبه القارة الهندية وشمال منطقة الخليج العربي وهي المغذي لمجموعة كبيرة من العمليات العسكرية، فنقل تلك القاعدة إلى أنقرة ليس بالمنطق لتصديق هذه النوعية من التقارير، ولكن حينما تتحدث عن نقلها إلى المحيط الخليجي من الممكن ذلك لوجود قواعد أمريكية في دول خليجية أخرى.
كما إن أمريكا تملك مصالح ضخمة مع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب وقد قمت بجمع البيانات المنشورة حول حجم التبادل التجاري وظهر أن مصالحها في الأزمة القطرية تجدها بالمنطق مع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب حيث يصل مجموع التبادل التجاري معها نحو 69.312 مليار دولار سنوياً في المقابل فان التبادل التجاري مع قطر يبلغ 5.5 مليار دولار فقط، حيث يصل حجم التبادل التجاري بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية نحو 38 مليار دولار، فيما يصل التبادل التجاري مع الأمارات العربية المتحدة إلى 26 مليار دولار، أما مملكة البحرين فيصل حجم التبادل التجاري إلى نحو 312 مليون دولار، وجمهورية مصر العربية 5 مليارات دولار، إذاً، فان الولايات المتحدة تجد أن مصالحها مرتبطة أكثر مع الدول الداعية لمحاربة الإرهاب كونها تمثل ما نسبته 93% من التبادلات التجارية بين اللاعبين الرئيسيين بالأزمة فحين أن قطر تمثل 7% فقط.
أما على الصعيد العسكري فأمريكا لديها قاعدة عسكرية ضخمة في منطقة العديد والتي تقع على بعد 30 كيلومتراً جنوب غرب الدوحة، وتضم القاعدة نحو 11 ألف عسكري أمريكي، وتشمل أطول ممر للهبوط الجوي في منطقة الخليج، والممتد على مسافة 3.8 كيلومتر، وتتخذ القاعدة موقعاً لتجهيز 120 مركبة جوية.
إلا أن وجود القاعدة العسكرية بقطر لا يعني أن الدول الداعية لمكافحة الإرهاب قد تضعف مصالحها، فأمريكا لديها 9200 جندي أمريكي في قواعدها في دول خليجية أخرى، كما إن إجمالي الصفقات العسكرية للدول الداعية لمحاربة الإرهاب مع أمريكا يصل إلى 117.8 مليار دولار مقارنة بقطر والتي يقدر حجم الصفقات العسكرية إلى 12 مليار دولار فقط، إذاً أمريكا تجد نفسها كذلك ومصالحها مع الدول الداعية لمكافحة الإرهاب كون أن التعاون العسكري معها يمثل 91.3 % مقارنة بدولة قطر والتي تمثل الصفقات العسكرية 8.7 % فقط.
وبالتالي الإدارة الأمريكية وضعت هذه الأرقام بعين الاعتبار في تعاملها مع ملف الأزمة القطرية، إلا أن ترامب في كلمته بالأمم المتحدة على ما يبدو وجد أن إرهاب طهران وإضعافه هو إضعاف لإرهاب قطر فهي من تريد فرض السيطرة على الخليج العربي وهو يجدها المنافس الأبرز في الحصول على ثروات المنطقة، كما إن قطر لا تمثل لأمريكا أي منافسة في السيطرة على النفوذ، ورأيي أن دونالد ترامب وإدارته قد أخطأت بشكل كبير في إعداد خطاب أمريكا بالأمم المتحدة لعدم ذكر اسم قطر كدولة حاضنة وممولة للإرهاب، لأن ذلك قد يزعزع الثقة التي وضعتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب بالرئيس الامريكي دونالد ترامب، وأن الخطوات القادمة ستضع أمريكا في خيارين هما إما «مع» أو «ضد»، وذلك لتحديد إطار الدور الأمريكي في الأزمة القطرية بشكل أدق.