عندما لا يجد من يعتبرون أنفسهم «معارضة» كلاماً يدافعون به عن أنفسهم للرد على أي تهمة توجه إليهم خصوصاً إن كانت مرفقة بأدلة وبراهين قوية يندفعون بقوة نحو التشكيك في مصداقية من يوجه إليهم تلك التهم وبشكل خاص لو كانت الحكومة وينفون على الفور ما تقوله عنهم جملة وتفصيلاً قبل أن يوظفوا كل ما بيدهم من وسائل إعلام، صار العالم يعرفها جيداً، ليؤكدوا أن ما يقولونه هو الصحيح وأن عداه كاذب وباطل وأنه يكفي أنهم ينفونه وأنهم يعلنون ذلك من خلال الفضائيات السوسة.

كمثال على هذا ما قاله إعلامهم الذي تديره إيران وتدعمه حكومة الملالي بكل ما أوتيت من قوة عن العملية الاستباقية التي نفذتها الأجهزة الأمنية أخيراً والتي «أسفرت عن القبض على عناصر شكلت خلية تتبع تنظيم «سرايا الأشتر» الإرهابي والتي اتخذت من مبنى غير مأهول في منطقة الدير موقعاً لتخزين العبوات الجاهزة وتحضير وتصنيع كميات من المواد شديدة الانفجار» حيث أبرز عناوين من قبيل «المنامة تدعي القبض على عناصر من سرايا الأشتر» و«النظام يعود مجدداً إلى مسلسل مزاعم خلايا الإرهاب.. وعودة الأسطوانات المشروخة»، بغية الترويج لقول ملخصه أن ما ذكرته وزارة الداخلية لا أساس له من الصحة وأنه مجرد «ادعاء» الهدف منه الإساءة إلى «المعارضة» بغية تفتيتها والانتقام من أبناء «القياديين»، وهو ما سعت السوسة الإيرانية «فضائية العالم» إلى التركيز عليه في برنامجها المخصص للإساءة إلى مملكة البحرين حيث جندت مجموعة ممن يرددون ما تقوله وما تريد ترويجه ليؤكدوا أن الموضوع هو هكذا وليس بشكل آخر، أي أنه ليس إلا مسرحية هذا هو هدفها وأن ما قالته الحكومة ليس إلا «ادعاء ومزاعم».

لو أن هذا النفي حصل قبل عدة شهور إلى عام من الآن ربما وجد من يصدقه ويعتقد أن ما أعلنت عنه الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية ليس إلا «ادعاء ومزاعم»، لكن اليوم الظروف مختلفة، والسبب هو أنه تبين للناس أن كثيراً مما نفته «المعارضة» تأكد معه عدم صدقها، وأن كثيرا مما قالته الحكومة تبين أنه صحيح ودقيق.

ما لم ينتبه له هؤلاء بعد هو أن الناس الذين يتلقون الأخبار والتصريحات التي يدلي بها المسؤولون الأمنيون لا يعتمدونها إلا لأنهم يدركون تماماً أن أولئك المسؤولين يعلمون أن من سيتلقى تلك الأخبار والتصريحات أناس يتمتعون بكامل قواهم العقلية وأنهم لا يأخذون الكلام على علاته وإنما يدققون فيه ويتأكدون من صحته. أيضاً ما لم ينتبهوا له هو أن الناس وبحكم التجربة صارت تعرف أن هؤلاء المسؤولين لا يصرحون بما يصرحون به اعتباطاً ولا يقولون إلا ما يستطيعون أن يوفروا على صدقه ما ينبغي توفيره من أدلة وبراهين. ولو قام البعض بمراجعة بعض تلك التصريحات ومطابقتها مع الواقع لتبين أن ما يقوله أولئك وليس الحكومة هو المزاعم وهو الادعاء.

من الأمور التي لا تفوت على الناس أن إعلاناً عن اكتشاف خلية إرهابية سيتلوه بالضرورة محاكمات وأحكام بعضها قاسٍ ستصدر ضد أفراد لا يمكن للحكومة أن تقبل بصدورها ضدهم لو أنها تعلم بأنهم غير متورطين فيها ويستحقونها، وقبل الحكومة لا يمكن للقضاة أن يصدروها لولا توفر ما يكفي من أدلة لإدانتهم، فالأمور ليست بالكيفية التي يتصورها أولئك ويسعون إلى الترويج لها، والذمة ليست حكراً عليهم كما يدعون.

بعد الفيديو المسرب الذي تمكنت الحكومة بواسطته من فضح جمعية «الوفاق» وبيان موقفها ضد الوطن في بدايات أحداث 2011 وكيف أنها كانت تتعاون مع الأجنبي لم يعد أحد يشكك في رواياتها سوى أولئك الذين لا سبيل لهم سوى التشكيك فيها لأن سكوتهم يعني اعترافاً وتثبيتاً للتهم على أنفسهم.