عملية «الفأس» التي أعلنت وزارة الداخلية عن تفاصيلها قبل يومين لم تكن مفاجئة إلا لمن كان يعتقد أن الأجهزة الأمنية اعتبرت أن إنهاء الوضع غير الصحيح في قرية الدراز هو نهاية المشكلة، وأنها توقفت بعد ذلك عن العمل وخلدت إلى النوم، أما إعلانها عن التفاصيل فالهدف منه واضح وهو سد الباب في وجه من تعود الترويج بعد كل إعلان للداخلية عن اكتشاف خلية إرهابية بأن «العملية ليست إلا مسرحية الهدف منها توفير المبررات لمعاقبة بعض الناشطين وتثبيت التهم عليهم والإساءة إلى «المعارضة» بغية تفتيتها والقضاء عليها»، ذلك أن الخوض في التفاصيل يعني أن الداخلية تتحدى من يقول ذلك لأن في التفاصيل تبرز التناقضات وتتبين الأخطاء بسهولة ويمكن حتى لمحدودي الذكاء اكتشاف اللعبة، لو كانت هناك لعبة.

للأسف فإن ما أعلنت عنه الداخلية صحيح، فهناك من تم التغرير بهم وتدريبهم في معسكرات في العراق وإيران وسوريا وغيرها على صناعة المتفجرات والتدريب على استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة وممارسة كل صنوف الأذى، وهناك تدخل سافر من الحرس الثوري الإيراني ودعم لم يعد خافياً وصارت تتوفر عليه الكثير من الدلائل، وهناك من لم يهتم بما قد يجري على الناس في هذه القرية أو تلك جراء خطأ يؤدي إلى انفجار في المكان الذي تم اختياره وسط حي سكني، فكل ما تفضل بالكشف عنه وقاله رئيس الأمن العام اللواء طارق الحسن صحيح ودقيق وغير قابل للتشكيك فيه لأنه وقائع مثبتة بالأدلة القاطعة، وهو لا يستند فقط إلى اعترافات بعض من ألقي القبض عليهم.

لا يمكن لمسؤول أمني في أي دولة من دول العالم أن يعلن عن تمكن الجهات الأمنية من ضبط خلية إرهابية ومتفجرات وأسلحة اعتباطاً لأن مثل هذا الإعلان يكلف الدولة كثيراً وقد يخسرها استثمارات أجنبية من حق أصحابها أن يبحثوا عن الأمان الذي يشككون في وجوده حيث هم، بسبب مثل هذا الإعلان وغيره، فليس من السهل على الدولة أن تكشف عن مثل هذه الأمور التي قد تتضرر منها وقد توصل رسالة سالبة مفادها عدم توفر الاستقرار والأمان.

قيام وزارة الداخلية بالكشف عن هذه الخلية أو غيرها وبيان خطورتها والجهات التي تتبعها وتحصل منها على التمويل والدعم والتحدث عن قيامها بعمليات استباقية يدخل في باب التزامها الأخلاقي ويعبر عن حرصها على توفير الشعور بالأمان للجميع، وقيامها بذلك وتوفيرها لكل هذا الكم من التفاصيل يعني أنها حريصة على توفير كل ما صار لديها من معلومات للجميع من دون أي حساب للتأثير السلبي الذي قد ينتج عن كل ذلك.

ليست المرة الأولى التي تكتشف فيها الأجهزة الأمنية تحويل بعض الأماكن في أحياء مكتظة بالسكان إلى مخازن للأسلحة وتصنيع المتفجرات، فقبل الدير كانت دار كليب وقبلهما اختار الإرهابيون قرى أخرى للتعبير عن مستوى كرههم لهذا الوطن وأهله وفعلوا الشيء نفسه، وليس مستبعداً أن بيوتاً أخرى أو مساجد أو مآتم أو محلات تجارية يتوفر فيها حالياً شيء مماثل وتدار من قبل خلايا إرهابية يعلم الحرس الثوري الإيراني أفرادها وما تقوم به جيداً ويتواصل معها بطريقة أو بأخرى.

لمن فاته فإن من المضبوطات التي تم الإعلان عنها مواد شديدة الانفجار تتجاوز شظاياها محيطاً نصف قطره 600 متر ومضبوطات تعادل قوتها التدميرية 52 كيلوجراماً من مادة TNT شديدة الانفجار. ترى في أي باب من أبواب الجريمة يمكن تصنيف هذا النوع من الأعمال؟ وهل يمكن لعاقل أن يشكك بعد كل هذا في روايات الداخلية وفي الدور الذي يلعبه الحرس الثوري الإيراني وكيفية استغلاله للشباب «البحريني» الذي يزور العتبات المقدسة في إيران والعراق؟