أستمتع كثيراً بالمناقشات التي تدور في أروقة مجلس الشورى، والطريقة الحضارية التي يدأب عليها أعضاؤنا الشوريون في مناقشة المقترحات والقوانين.

ومن بين القوانين التي طرحت مؤخراً وأخذت حيزاً كبيراً هو قانون النظافة وتحديداً المادة الخامسة من قانون النظافة، والتي تنص على «أن كل أرض فضاء يصدر بشأنها قرار من المجلس البلدي التابعة له يتضمن وجوب تسويرها، يلتزم حائزها بتسويرها، وذلك وفقاً للشروط والمواصفات والمواعيد التي يتم إخطاره بها من قبل البلدية المختصة، وتحدد اللائحة التنفيذية أسباب التسوير وشروطه ومواصفاته».

ولوهلة تخيلت لو أن نص هذه المادة طبق في البحرين، وأن كل صاحب أرض أجبر على تسوير أراضيه التي يملكها بدلاً من أن يتركها فارغة تشوه بعضها المظهر الحضاري للمملكة لا سيما الأراضي المطلة على الشوارع الرئيسة، أو استخدام بعض الأراضي في الأحياء السكنية كمكب للنفايات، أو استخدامها بطرق غير قانونية.

وتخيلت أيضاً أن تسوير هذه الأراضي سيضمن للرأي العام معرفة وتمييز الأراضي المملوكة من الأرضي غير المملوكة، وهذا التمييز تمييز صحي، ينبئ الرأي العام عن أن بعض الأراضي هي ملك لأصحابها وليست أراضي عامة، وإن ملاكها مسؤولون مسؤولية قانونية عن أي أمر يحدث فيها.

وكما قال كونفيشيوس إن «الحقيقة هي وليدة الجدل»، وإن الجدل ظاهرة صحية جداً، فتجادل الشوريون فيما بينهم بين تطبيق «تسوير» الأراضي المملوكة، من عدمه.

بعضهم كان مع التسوير لأسباب تتعلق بأمور خاصة بالنظافة العامة، كألا تكون هذه الأراضي مأوى للكلاب الضالة، أو تتحول هذه الأراضي لمكب نفايات. والبعض الآخر اعترض على هذه المادة متعذراً بالمصلحة العامة، كأن يحرم هذا التسوير الناس من استغلال الأراضي كمواقف سيارات، أو «تعسر» صاحب الأرض من تسوير أرضه.

جميل وراقٍ هذا الحس المجتمعي بتلمس احتياجات المجتمع، لكن لي رأياً بسيطاً جداً حول الرافضين لهذه المادة، هل يعتقد المعارضون لهذه المادة بأن من يملك أرضاً سيصعب عليه تسويرها لأمور «مادية»؟! لا سيما وأن القيمة السوقية للأراضي بجميع أنواعها في تصاعد!! وهل يعتقد بعض الشوريين المخالفين لهذه المادة أن صاحب الأرض سيترك السيارات تستخدم أرضه كمواقف سيارات «بالمجان»!!

لا أعمم، ولا أستنقص من كلام السادة أعضاء مجلس الشورى الذين أكن لهم كل احترام، ولكن ترك هذه الأراضي دون تسويرها أمر يستوجب المراجعة سواء على مستوى النظافة أو الأمن.

تنص المادة كما هو واضح على التسوير فقط، دون إضافة الخدمات، وهذا شيء سهل جداً، فالتسوير -حسب علمي- غير مكلف لمن يمتلك «أرضاً»، ناهيكم عن أن هذا التسوير يضمن «أمنياً» و«قانونياً» أن يكون صاحب الأرض هو المسؤول مسؤولية كاملة عما يحدث في أرضه، بالإضافة إلى أن من يريد أن يخدم المجتمع بجعل أرضه بمثابة مواقف السيارات يستطيع أن يتعاون مع أبناء المنطقة لتحويلها «مؤقتاً» كمواقف سيارات، وأعرف حالات كثيرة حولت أراضيها كمواقف سيارات «مؤقتاً» بالاتفاق مع أبناء المنطقة، كأن يقوم كل شخص يريد الاستفادة من موقف سيارات ببناء مظلة خاصة له بالتعاون مع البلدية، على أن يتم الانتفاع بهذه الأرض بالاتفاق مع صاحب الأرض «مؤقتاً». وهذا يضمن أن تكون المواقف قانونية ولا تتسبب في مشكلات بدلاً من حل مشكلة عدم وجود مواقف.

بالإضافة إلى أن البلدية باستطاعاتها أن تضع اشتراطات مرنة حول «تسوير الأراضي» لا سيما السكنية منها، والتي ينوي أصحابها الانتفاع بها مستقبلاً بإعطائهم مدداً منطقية لبدء عملية البناء فيها، أو تسويرها في حالة تأخر البدء في عملية بنائها.

تحدثنا مسبقاً عن أهمية تشجير الأراضي «البيضاء»، وأعتقد أن تسوير الأراضي حل حضاري للمشكلة، فهناك بعض الأراضي التي تقع في أماكن حيوية، وتشوه المنظر العام للمملكة، وأعتقد أن تسويرها سيكفل لوزارة البلديات التعامل الأمثل مع باقي المساحات الخالية واستثمارها لتجميل مملكة البحرين.