مفارقة يندى لها الجبين.. بين خطوة عملاقة وجريئة للحكومة تتمثل في إعادة هيكلة الحكومة بهدف تقليص الوزارات، وبين جهات تعليمية «مدارس وجامعات» الأولى تقلل طباعة التمارين والتدريبات للطلاب بحجة تقليص ميزانية الورق، والثانية لا توفر الماء في ممراتها وصالاتها والسبب حجة التقليص ذاتها.
ضريبة التقشف والأزمة الاقتصادية تصيب مرافق حياتنا يوماً بعد يوم.. وبدلاً من أن يكون الإجراء التقشفي نتيجة بحث ودراسة ونقاش داخل المؤسسة.. تأتي ممارسات عقيمة لتغطية القصور ليس في ما يجب أن يكون، بل في أمور لا تغني ولا تسمن من جوع.
خوف بعض أصحاب القرار في المدارس من استهلاك الورق لما فيه مصلحة أبنائنا أمر يستحق وقفة تأمل، فالتدريبات تساعد على ترسيخ المعلومة، وأن يعطى الطفل ورقة فيها بعض الأسئلة ليحلها في المنزل، أمر أوقع وأكثر فاعلية في تثبيت المعلومة من الطريقة التقليدية البائدة المتمثلة في كتابة الأسئلة على السبورة وعلى الطلاب نقلها بسرعة وحلها في المنزل! فإن كان هناك خوف حقيقي على الورق، وهدف أبعد يتمثل في الحفاظ على البيئة، فحري بهم منع الوسائل والأنشطة التي يكون مصيرها حاويات القمامة!
أما موضوع «كولرات الماء» الفارغة، فهي أمر مضحك، فهل يعقل أن توفير الماء للطلاب الجامعيين في جامعتهم هو شكل من أشكال التبذير مثلاً، لا سيما إذا ما ربطنا القدرة الاستيعابية بشرب الماء، والشعور بالانتعاش اللازم من أجل استقبال المعلومات.. فإن كان الماء قد منع في شهر مارس، فكيف سيكون حال الطلاب في الأشهر الصيفية القادمة!
ينصح الخبراء للتقليل من ميزانية المنزل -على سبيل المثال- باتباع جملة من التدابير تبدأ بمشاركة جميع أفراد المنزل هذا القرار، ووضع الأولويات بحيث يأخذ كل شخص نصيبه من الاقتراح والتنفيذ، مع العمل الجماعي من أجل استثناء الكماليات والاقتصاد في الضروريات، وعدم أخذ ما يفيض عن الحاجة، كلها في ظل شفافية ووضوح لكي لا يشعر أحد الأطراف بأنه مستضعف أو مهضوم الحق، وهذا السيناريو يمكن أن يكبر ليعمم على المؤسسة الصغيرة والكبيرة، بذات المبادئ ولكن باختلاف الأسلوب والكيفية.
نعود إلى تقليص الوزراء.. فهو قرار يأخذنا إلى فضاء مختلف، قرار يرسم لنا شكل المرحلة القادمة، وكيف يجب أن تدار الأمور فيها، هو قرار جريء يبين حقيقة ما يجب أن نعمل عليه كمجتمع، وهنا لا أخفي أملي أيضاً بأن تكون هناك دماء جديدة تسهم في أخذ البحرين إلى مستوى مختلف من العمل بنفس جديد ورؤية مختلفة.
إذاً.. لأن فكرة التقشف أصبحت كابوساً في حد ذاتها.. سأعرض صورة قبيحة من ويلات ما وصلنا إليه كمثال فقط، إذ نجد أن هناك من يمتنع على تقديم المساعدات الإنسانية والصحية والخيرية بحجة التقشف.. في حين أن الصرف يكون بغير حساب على ما يتوافق مع الأهواء، وهذا إن دل فهو دليل على عدم القدرة على تحديد الألويات الحقيقية، والاستعاضة عنها بالزيف الذي يفرض ليصدق مع الأسف.
القرارات الخاطئة موجودة، ولكن حبذا أن تراجع من أجل التصحيح، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح، ولنا في القرار الحكومي خير قدوة لما يمثله من منهاج عمل ملائم للمرحلة المقبلة.