وتبقى الأمثال العربية والشعبية سلوى للذين وقعوا تحت تأثير ضغط الأحداث التي تحيط بهم، يتعللون بها وربما يذكرونها للتهكم على حالهم وما وصلوا إليه، والحقيقة أن وراء هذه الأمثال قصص عاشها أصحابها، وربما وصلتنا موصولة بأكثر من قصة، كما هو حال المثل القائل شعيط ومعيط وجرار الخيط الذي ينطبق على حال كثير من الدول العربية وما وصلت إليه.
يقال كان في البصرة سارق وقاطع طريق يدعى معيط، ومعيط هذا كان يلعن كل يوم من الناس لأنه وبالإضافة إلى كونه قاطع طريق كان يسرق أكفان الموتى الذين يجلبون من إيران ويدفنون في البصرة تمهيداً لنقلهم في القوارب إلى الكوفة عبر شط العرب ونهر الفرات، ومن ثم إلى النجف حيث تدفن الجثث هناك بشكل نهائي، وكان لمعيط ابن اسمه شعيط، وقد تنبه الأب إلى قضية لعن الناس له وأن اسمه صار مرتبطاً باللعن، فأراد أن يبعد هذا عنه بعد وفاته فأوصى ابنه شعيط أن يعمل على صرف الناس عن لعنه، وفعلاً مات معيط وارتاح الناس من شره لكن اسمه لم يفارق ألسنة الناس مقترناً باللعن، وقد فكر ابنه شعيط كثيراً بوصية والده وتوصل إلى طريقة يرفع بها اللعن عن اسم أبيه ويجعل الناس يترحمون عليه بدل ذلك، كانت الفكرة قائمة على فعل أمر أشد شناعة من فعل أبيه، فبدأ بمزاولة عمل والده أي سرقة أكفان الموتى، لكنه لم يكتفِ بالسرقة كما يفعل والده، فكان يضع خازوقاً بمؤخرات الموتى بعد سرقة أكفانهم ممثلاً بجثثهم، فلما بلغ الناس أفعاله قالوا رحم الله معيط الذي كان يسرق أكفان الموتى ولا يمثل بجثثهم ولعنة الله على شعيط، ويقال إن المثل أصله «زعيط ومعيط ونطاط الحيط» وكان شائعاً في مصر في القرن التاسع الهجري، وهو كناية عن التافهين إذا اجتمعوا على أمر عظيم، من باب السخرية والاستخفاف. المصيبة أن هذا المثل ينطبق بقصتيه على حال كثير من أمة العرب، فأكثر الدول التي وقع ظلم على أبنائها فثاروا للتخلص من «معيط» ابتلوا بـ«شعيط» بديلاً عنه، وصار الناس يترحمون على معيط وأيامه، مع أنه لا يستحق الرحمة، والمصيبة الأكبر أن «شعيط» تافه جلب معه التافهين ليجتمعوا على أمر عظيم وإدارة شؤون الناس وتمثيلهم والحديث باسمهم، والأمثال تضرب ولا تقاس.