في حال أردنا الحصول على تعليم متطور ومتقدم فمن المهم مراعاة ثلاثة أمور في غاية الأهمية، هذه الأمور لابد أن تكون متَّسقة ومتوازية في ذات الوقت، فأي خلل في أحدهم فإن العملية التعليمية برمتها ستكون فاشلة، وسيكون التعليم غير منتج. الأمر الأول يكمن في قوة ورصانة المناهج التعليمية كافة، والأمر الثاني يتعلق بأهمية قوة الكادر التعليمي «المعلم» ومدى نضجه ومستواه العلمي والأكاديمي وامتلاكه لكل أدوات التعليم وتمكنه الكامل من التحضير للمادة التي يقوم بتعليمها للطلبة وقدرته الفائقة على العطاء، أما الأمر الثالث والأخير فيتعلق بضرورة أن تكون الامتحانات موازية لمستوى التعليم لا أن تكون أقوى مستوى أو أضعف مستوى منه. هذه الأمور الثلاثة تعتبر أواني مستطرقة، إذ لا يمكن لأحدهم أن يطغى على الآخر، وإن حصل غير ذلك فإن التعليم ينحدر إلى مناطق الهبوط والخطر، وهذا ما يجب أن تراعيه الجهات المختصة في الدولة، وأعني بذلك وزارة التربية والتعليم.

بداية يجب الاعتراف بأننا كلنا يملك الكثير من التحفظات حول طبيعة المناهج الدراسية في البحرين، ربما تكون هي الأفضل خليجياً، وربما أدخلت عليها الكثير من التعديلات والتحسينات في الأعوام الأخيرة لكنها أيضاً لا تخلو من الحشو والتكرار الممل، ولو تم تنقيح بعضها لكانت مناهجنا التعليمية مناهج متقدمة للغاية، ومع ذلك فهي ليست العيب «رقم واحد» في العملية التعليمية. أمَّا الاختبارات فإنها وإن كانت قوية وصعبة للغاية إلا أنها تعتبر جيدة لأنها تبين وتكشف حقيقة وعي الطلبة ومستوى إدراكهم العلمي.

لكن، حين نتحدث عن الأمر الأخير والمتعلق بالكادر التعليمي «المعلم» ومدى قدرته على العطاء وامتلاكه أدوات التعليم الحديثة والمتقدمة، فإننا سنُصْدَم حقيقة من هذا الأمر، فدخول مجموعة كبيرة من المعلمين في الأعوام الأخيرة على خط التعليم من الكوادر التعليمية غير المؤهلة لهذه المهمة الحساسة جداً أدى إلى تدني التعليم بشكل كبير ومباشر مما أثر سلباً على مستوى الطلبة في البحرين، فوزارة التربية والتعليم لم تكن موفقة إطلاقاً في اختيار الكوادر التعليمية المناط بها هذه المهمة المقدسة والكبيرة، فكان التعليم غير موازٍ لمستوى المنهج وكذا الامتحانات ولهذا زادت نسبة الرسوب بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وهذا ما لم يحصل في تاريخ البحرين التعليمي من قبل!

حين تكون مستوى الامتحانات أقوى بكثيرٍ من مستوى التعليم ستكون نسبة الرسوب الكبيرة نتيجة حتمية، لكنها في نظر أولياء الأمور ستكون صاعقة وصادمة. عندما يرسل أولياء الأمور أبناءهم الطلبة إلى المدارس في البحرين فإنهم يعتقدون أن المعلم هو المؤتمن على تعليمهم بشكل صادق، ومع ذلك -ولأن الاحتياط واجب- يقوم الكثير منهم بإرسال أبنائهم للمعاهد الخاصة من أجل أخذ مجموعة من حصص التقوية ومع ذلك يصطدم الطلبة بقوة الامتحانات، وهذا يدل على أن من يضع الامتحانات لا يدرك المستوى المتدني للتعليم الميداني في مدارسنا الحكومية حتى الخاصة منها، وبذلك تكون الامتحانات أقوى من التعليم بمراحل مما يشكل هذا الأمر صدمة للطلبة.

هذا هو الأمر الذي نود أن نقوله هنا، وهو أن التدريس لا يرقى لمستوى صعوبة الامتحانات التي تقوم الوزارة بوضعها نهاية كل فصل، وبالتالي سوف لن نستغرب من نسبة الرسوب الكبيرة في أوساط الطلبة، وهذا ما ينبغي على الوزارة أن تعالجه بصورة جدية، فهي أمام خيارين لا ثالث لهما، إمَّا أن تبسِّط وتسهِّل الامتحانات لتكون قريبة من مستوى التعليم المتدني أو أن تعالج مستوى التعليم في البحرين عبر توظيف معلمين أكفاء في كافة مدارس المملكة، والخيار الأخير هو الأصوب، فالمشكلة ليست في الاختبارات وإنما في التعليم.

لا للتعميم، بكل تأكيد نحن لا نعمم في حديثنا السابق بأن كل الكوادر التعليمية غير مؤهلة للتدريس، وإنما الكثير منها لا تملك الأهلية لهذه المهمة.