كانت البحرين على موعد مع خطر الجماعات الراديكالية التي كشفت أجندتها في 2011 وعملت على إسقاط النظام وتغييره بدعم خارجي. وبعد اكتشاف خطر هذه الجماعات ومساعيها للتغيير الداخلي، تأكد خطر النظام الإيراني أكثر فأكثر، لأنه يتبنى أيديولوجيا «ولاية الفقيه» المرتبطة بالعنف والإرهاب.
لدينا جماعات راديكالية أفل نفوذها بشكل كبير، ولديها نظام سياسي مجاور يتبنى الثيوقراطية الراديكالية ويسعى إلى تصديرها إلينا. هل مازال هذان المصدران يمثلان الخطر الأكبر لأمن واستقرار البحرين؟
الجماعات الراديكالية تم احتواؤها قانونياً وسياسياً، والعلاقات مع نظام طهران الثيوقراطي الراديكالي تم قطعها دبلوماسياً. وبالتالي تراجع حجم التهديد الذي تمثله هذه الجماعات مع طهران، ولا يعني ذلك طبعاً انتهاء التهديد أبداً، مع ضرورة استمرار المواجهة والاحتواء. لكن قد يبدو الخطر الأكبر من شرائح مختلفة من الشعب الذي يتعرّض الآن لأقسى موجة لتغيير الصور النمطية، وتكوين اتجاهات جديدة مختلفة تجاه الدولة، وتجاه مكونات المجتمع، وتجاه الحكومة، وتجاه المستقبل أيضاً.
ليست المسألة مرتبطة بأعمال منظمة لتغيير الصور النمطية والقناعات والاتجاهات من جهة مركزية، بل هي جهود منظمة من جهات غير مركزية لا تعرف بعضها بعضاً، لكنها تعمل من أجل هدف ورؤية واحدة تدعم التغيير الذي لن يكون الآن، بل سيكون بعد سنوات أو عقود عندما تكون كافة الظروف مهيأة لتغيير شامل ليس بقوة السلاح أو بأعمال العنف والإرهاب، وإنما برغبة وإرادة شعبية.
حينها لن يكون الخطر على الدولة البحرينية من جيوش قد تغزوها، أو جماعات راديكالية تقوم بعمليات إرهابية شاملة أو نوعية، بل سيكون الخطر من شرائح متنوعة من الشعب.
هذه الشرائح لا نقصد بها كوادر من جمعيات سياسية، أو جماعات ثيوقراطية، أو أشخاصاً تبنوا خيار التغيير المرحلي والمستقبلي. بل هم مواطنون عاديون قد يكونون طلبة، أو موظفين في القطاعين العام أو الخاص، ولا يستبعد أن يكون من بينهم بعض العسكر.
تقييمنا لذلك نابع من الزيادة الكبيرة في آليات تغيير اتجاهات المواطنين التي مازالت مستمرة، بل زاد استخدامها لنشر صور نمطية سلبية عن مختلف الظواهر، وصار طبيعياً أن يتحول انتقاد ظاهرة أو سياسة معينة أو قرار محدد صادر عن مؤسسة معينة، إلى صورة نمطية سلبية حول المؤسسة نفسها وكافة العاملين فيها والمرتبطين بها.
هذه العملية تتم بشكل قد لا نشعر به، لكننا نتعرض له يومياً منذ الصباح وحتى المساء، ويتعرض له الكبير إلى الأطفال في المراحل الأولى من التعليم.
نتحدث عن ظاهرة خطيرة، يجب أن نحذر منها لأنها تتطور سريعاً، وستكون أخطر من التهديد الخارجي ومن الجماعات الراديكالية مستقبلاً.