عبدالسلام اليافعي ليس قتيل جو، بل هو شهيد البحرين كلها، رجل لقي ربه رافعاً رأسه شامخاً ودمه في رقبتنا كلنا، قاتله تسلح بعقدة المظلومية التي جعلت من اليافعي إنساناً من معسكر الآخر يجوز قتله بلا سابق معرفة!
جندي كان على خفارته يقوم بواجبه أدى ما عليه من أمانة دون تردد، لا يعرف قتلته ولم يلتقيهم قبل دخولهم السجن، ليس بينه وبينهم غير أداء واجبه ومهامه المكلف بها، إنما فرحت لقتله قنوات فضائية ومنتديات وبررت قتله أسر القتلة تبريراً يفتح الباب لسؤال المليون من أعطى الحق والإجازة الشرعية والأخلاقية لقتلة اليافعي؟
«عقدة المظلومية» حين تنتشر بعقل جمعي وتعززها ثقافة النقاء المطلق للجموع «المضطهدة» تجيز لمن أصيب بها ما لا تجيزه لغيره، فهو فرد ينتمي لشعب الله المختار وهم المظلومون وهم طلاب حق، والآخر ظالم مضطهد يجوز عليه كل محرم بما فيه القتل.
قتل الشهيد اليافعي لم يكن حكماً صادراً من فراغ أصدره قتلته لحظة الهروب، بل سبق حكم قتله نشر أفكار وثقافة عامة وتشكيل وعي جمعي، عمل على فترات طويلة بتصنيف «اليافعي» تصنيفاً جعل من قتله أمراً مشروعاً ومجازاً.
سبق حكم قتل اليافعي الذي أصدره القتلة، خطاب ديني وتربية منزلية وثقافة عامة نشرتها أدبيات صحافية وإعلامية جعلت من المتلقي ومنهم كان قاتل اليافعي من معسكر حسيني أي أنه مظلوم بالمطلق وبالولادة، وجعلت من الآخر من معسكر يزيدي ظالماً بالمطلق وبالولادة، بعد ذلك لا يحتاج الأمر لدعوة مباشرة واضحة لحمل السلاح وقتل الآخر، فالأمر أصبح مجازاً «للمظلوم» مجازاً بإسقاط تاريخي، ومجازاً «شرعاً» ومجازاً «حقوقياً» تلك «الإجازة» منحت تلقائياً صكاً بالبراءة تسلح به القاتل، بلا نص مكتوب أو مقروء أو مسموع.
لقد شهدنا وعلى مدى طويل كيف تعمى الأبصار عن كل الدمار الذي ألحقه «المظلومون» في هذا الوطن ولا ترى في من فجر وقتل وأحرق أو حرض أو ضلل للحقائق غير «جاهل صغير» أو تراه «أباً لأطفال أبرياء» أو تراه «لاعباً أو صحافياً أو طبيباً»، ذلك كله كان إجازة غير مكتوبة لأن يرتكب «المظلوم» ما يراه مناسباً من جرائم فهو من صنف مرفوع عنه القلم، ما دام مظلوماً بالولادة!!
مواجهة الإسقاطات التاريخية واستخدامات الذاكرة الذهنية وكشف حقيقة «المظلومية» مسؤولية الدولة بالمصارحة والمكاشفة العلنية، فهو فكر يرى في الطائر عنزاً وإن طار!! وبحاجة لأن يطرح علناً ويساءل، فهو فكر يخاطب نفسه ويلقى رواجاً في أوساط عديدة ترى نفسها مظلومة حتى وهي مرفهة منعمة حاصلة على درجات أكاديمية عالية، تصدق كذبها على نفسها فهو غرز يتم بالرضاعة.
نشر الوعي أولاً وتطبيق القانون ثانياً، وتطبيق القانون الذي يجرم المحرض على العنف والممجد له والمشجع عليه وإن كان بالسكوت والتغاضي عن الجرائم، مسؤولية الدولة.
الأمر الثاني وهو مسؤولية لا تقل عن الأولى أهمية إن لم تفقها وتتخطاها، «ولكم في القصاص حياة» قالها رب العالمين ليفرق بها بين الموت اقتصاصاً، وبين الموت قتلاً، فالموت كعقوبة تطبق على من أزهق روحاً، ولا يعتبر قتلاً بل يعتبر حياة، ذلك حكم الله جل جلال، وهو العادل سبحانه وهو الرحمن الرحيم.
لا يجب أن نغفل عن حقيقة مؤلمة أن تأخير تطبيق «القصاص» والتساهل في تنفيذ هذا الحكم الذي أيده من بعد كتاب الله الدستور البحريني وعززته القوانين والتشريعات على من تعمد قتلهم، ساهم في تكرار التعدي على رجال الأمن وإزهاق أرواحهم وأثر بشكل كبير على معنوياتهم.
«لا نريد سوى تطبيق حكم الله والقصاص» هذه العبارة قالها لي شقيق الشهيد المريسي وخاله في لقائي مع أسرة الشهيد قبل ستة أعوام في يونيو من عام 2011 في برنامج «كلمة أخيرة» قبل أن يقولها شقيق الشهيد «اليافعي» أمس «إن عائلته تطالب بتطبيق حكم الله والقصاص من القتلة، وإن شقيقه رفع رأس العائلة باستشهاده في سبيل الوطن وحمايته» ومنذ ذلك الحين مات أكثر من شهيد بينهما ومازالت أسرهم تنتظر تطبيق القانون.