كم نحلم بعد يوم من العمل الشاق أن نعود إلى بيتنا الذي اشتريناه بعيداً عن الضوضاء والذي حرصنا على اختياره في بيئة هادئة ظناً منا أننا من خلاله سنحافظ على إرثنا الخاص وعاداتنا الحميدة التي تميز بها المجتمع البحريني في خلق الترابط الاجتماعي، ونؤمن لجميع أفراد الأسرة بيئة اجتماعية مريحة ومستقرة، ولكن يبدو أن «الهدوء» كلمة جميلة ضاعت معانيها مع ضياع الحلم في أن نعيش في منطقة هادئة. فللأسف تشهد البحرين مؤخراً ظاهرة تؤرق العديد من المواطنين، ألا وهي التصريح داخل المناطق السكنية بفتح محال تجارية ومطاعم، ولا شك في أن هذا يخلف تداعيات سلبية كثيرة، ولاسيما في ظل وجود الكثير من المحال التجارية حتى أن بعض الشوارع أطلق عليها شارع المطاعم، وأصبحت واجهة لكل جوعان، فالشوارع التجارية غير المنظمة التي تشق قلب المناطق السكنية أصبحت تؤرق الكثير من المواطنين، والذين يرجون أن تجد لها الدولة حلاً سريعاً ومنظماً، فتحويل المناطق السكنية إلى مناطق استثمارية أو تجارية تنطوي على مشكلات غير قليلة، من إزعاج السكان إلى تخريب البنية التحتية وتشويه شكل المناطق، وتحويلها إلى مرتع للمتسكعين مما تسبب في الضرر المادي والنفسي لأصحاب الفلل أو الشقق التمليك بهذه المناطق، خاصة أن تلك المناطق لا تتحمل الحركة المرورية المزدحمة. فالعديد من المواطنين توجهوا إلى شراء أراضي وبنائها أو شقق تمليك بأهدأ مناطق البحرين، وبثمن مرتفع جداً، نظراً لما تتمتع به هذه المناطق من فخامة وهدوء، هروباً من الضجيج المزعج، لكن العديد منهم وجدوا أنفسهم، بعد فترة من الزمن، هربوا من ضجيج إلى آخر، وانقلبت المنطقة الهادئة إلى منطقة مزدحمة نتيجة تحول واجهات بعض المنازل إلى محلات ومطاعم فلا راحة ولا استقرار، فالمحال التجارية في وسط الأحياء السكنية تسبب نوعاً من الزحام المروري وشح في مواقف السيارات بالإضافة إلى الضوضاء داخل المنطقة، ومن تأثيرها السلبي أيضاً حرمان أهل البيت من الهدوء بسبب الإزعاج سواء كان للمريض أو الطالب الذي يحتاج الهدوء للمذاكرة أو غير ذلك، خاصة أن المحالات التجارية تفتح حتى وقت متأخر من الليل. ربما يكون المستفيد من عملية تحويل الشوارع السكنية العامة إلى شوارع تجارية، هم التجار أنفسهم، وأصحاب المحال فيحصلون على ترخيص فتكثر المحال ومن ثم نجد أصحاب العقارات بالمنطقة يحولون واجهات منازلهم إلى محال تجارية، وتأجير باقي المنزل كشقق سكنية ثم يتركونها لأماكن أخرى هادئة، فنجد بعض المناطق في المحرق أصبحت أغلب شوارعها مطاعم «شوارع اليواعة» لكن هناك مواطنين آخرين وهم السواد الأعظم تضرروا بسبب تحول السكني إلى تجاري، فعاشوا الزحام والإزعاج اليومي والمشاكل مع بعض الواردين إلى هذه المطاعم. إن من تكبد المبالغ الضخمة لشراء منزل في منطقة سكنية راقية ناشداً بذلك الهدوء والراحة ذهب كل هذا هباء وأصبح الآن يعاني من غياب الراحة، صحيح أنه يرى ضرورة توفر بعض الخدمات الخفيفة، كوجود برادة ومخبز ومغسلة واحدة لا غير، لا أن تتحول المنطقة كلها إلى حي تجاري، فيها من المطاعم والمخابز والمقاهي. ربما تتحمل البلديات الجزء الأكبر في هذا الخطأ نتيجة إعطاء الرخص العشوائية للعديد من المحال لمجرد توافر الشروط الصحية وغيرها من الاشتراطات إلى أن ذلك أدى إلى تحول العديد من الشوارع السكنية إلى تجارية، ولا تقع الملامة على عاتق البلديات أو المجالس البلدية فقط، بل إن قسماً من الملامة يتحمله أهالي تلك المناطق، من الذين تنازلوا عن أجزاء مهمة من واجهات منازلهم ليحولوها إلى محال، ناشدين الربح المادي من دون الاهتمام برأي جيرانهم من أهالي المنطقة. ختاماً، يجب أن تكون هناك مخططات هيكلية معتمدة للبحرين تحدد مسار حركة المناطق بشقيها، السكني والتجاري، ويجب أن تعطى الرخص للمحال التجارية بشروط وقيود صارمة، وأن تكون هناك دراسة مستفيضة لكل منطقة واحتياجاتها وأهم من ذلك يجب أن يوضع في الاعتبار رغبة وموافقة أهالي المنطقة مع الأخذ في الاعتبار معطيات الدراسات المرورية لهذه المنطقة حتى نتجنب الازدحام وشح المواقف.