في مثل هذا اليوم من كل عام، الرابع من يناير تحديداً نستعد لتقديم هدايا عيد ميلادها، ويسبق ذلك محاولات مستميتة لمعرفة ما ترغب فيه كهدية في هذا اليوم البهيج بالنسبة لها ولمحبيها. وعندما نقدمها لها لا تتوقف ابتسامتها الرائعة، وهي ابتسامة نابعة من قلب محب حنون جعل البساطة سمته.
يمر هذا اليوم، ولا يمكننا أن نقدم لها أي هدية، لأنها رحلت وفطرت قلوبنا برحيلها السريع والمؤلم قبل ذكرى مولدها بأربعة أيام. كما فاضت روحها النقية إلى بارئها، فإن قلوبنا فاضت بمحبتها لنتذكرها كل لحظة، عندما تتحدث، عندما تبتسم، عندما تعاتب، عندما تسأل، وحتى عندما تغضب، ففي غضبها ابتسامة وحب لا يعرفه إلا قريب.
الذكريات معها طويلة لا تنتهي، فهي تلك التي وثقت في ذوقي حتى كانت تطلب الطعام كما أطلبه دون تغيير أو إضافات، وتلك التي أحبت من حولها فنشرت الفرح أينما حلت وسارت. وتلك التي لا تنسى تلك المواقف في رحلاتنا إلى الكويت أو دبي أو حتى رحلاتنا القديمة إلى بعض منتجعات البحرين، فعندما نتذكر مثل هذه المواقف، نتذكرها هي قبلها، لأنها تسعد بتكرار هذه المواقف لتضحك عليها، وتفرح من حولها.
يمر علينا في مهنة الصحافة العشرات من الزملاء الذين يعملون بجد، ويسعون لتقديم أفضل ما لديهم دائماً، شاهدت ذلك في مشواري الصحافي عبر ثلاث صحف بحرينية. لكنني لم أشاهد صحافياً أو صحافية قط يحمل هذا العشق الهائل لمهنته، عشق لا ينهيه انتقال من صحيفة إلى أخرى، أو حتى استقالة، أو انتقال إلى وظيفة أخرى. وأروع حالات العشق تلك التي تراها وهي على فراش المرض بعيدة عن البلاد بآلاف الكيلومترات، واختلاف الساعات، تراسلك ليل نهار في محاولات لمعرفة رأيك، تبدأ بالاستئذان وطلب مواصلة العمل الصحافي، وأنت تعرف أنها تتلقى علاجاً قاسياً لمن أصابه هذا المرض. تشجعها وتطلب منها مواصلة العمل، اعتقاداً منك أنه طلب في سياق المجاملات، لكنك تفاجأ بإنتاج صحفي فريد ومميز يصدر عنها وهي على فراش المرض، ننشره لها، فتغدق عليك برسائل الشكر والثناء، وتستأذنك مرة أخرى: هل أواصل؟ طبعاً ننتظر جديدك دائماً، ومازلت لا أعرف كيف أنجزت تلك الأعمال الصحافية الرائعة وهي مريضة!
أخبار حصرية، ومقابلات خاصة، وتقارير مميزة، وخطط لمشاريع صحافية مبتكرة تنهال عليك وهي على فراش المرض، لتكشف لنا عشقاً من نوع خاص لم نعهده من قبل لدى أي صحافي أو صحافية في البحرين. ذلك العشق نابع من قلب عشق القلم، وقبل ذلك عشق البحرين وأهلها.
لم ينتهِ هذا العشق بعد، فقبل فترة بسيطة من رحيلها تطلب منك طلباً أخيراً، وتقول: «هل هناك فرصة لأعمل في جريدة «الوطن» عندما أنتهي من علاجي وأعود إلى البحرين؟».
تلك هي ريم الجودر التي تفتخر ثلاث صحف بحرينية باسمها على صفحاتها الأولى سنين طويلة، فهي قصة عشق ستظل تروى، لمن لا يعرف عشق القلم، ولمن لا يعرف محبة ريم وقلبها.. وداعاً ريم.