يقال في أمثالنا الشعبية «جرادة هيّضت جمل»، والمراد أن صغار الأمور تدفع بأمور أخرى ذات ثقل نحو اتجاه معين، وهو ما حدث تماماً لأخلص إلى هذا المقال، فقد كانت البداية طرفة تلقيتها على الـ«واتس أب» قبل أيام، لأقرر تبادلها مع زميل عماني وصديقة قطرية وقريب إماراتي، فإذا باثنين منهم يخبرانني أن الطرفة متداولة في اليومين الأخيرين في بلادهما. وكان الأمر قد تزامن مع محاولة بعض الكيانات الطائفية في البحرين من إثارة فتنة جديدة تكللت بالفشل الذريع، فإذا بزميل كويتي وآخر سعودي يسألانني في إحدى مجموعات الـ«واتس أب» التي تضم معارف خليجيين حول حقيقة ما يحصل في البحرين، وإذ أفاجأ بأحدهما يسأل بمزيد من الدقة «ما الذي يجري في إحدى المناطق يا أهلنا في البحرين؟! ما يدعو المتأمل للحيرة، كيف للأخبار والموضوعات أن تنتشر في خليجنا العربي بسرعة الضوء؟ وكيف يمكنني أن أعرف أخباراً لأحداث من داخل بعض البيوت الخليجية قد لا يعلم بها بقية أبناء تلك البيوت إلاّ بعدي بزمن؟! من هنا كانت البداية.
لقد أصبحت تطبيقات التواصل الاجتماعي وخصوصاً الـ«واتس أب» تتخطى المسافات لتقرب شعوباً ببعضها، حتى أصبحت كفيلة بأن تخلق شكلاً من أشكال الوحدة الثقافية من خلال ما يتم تداوله من رسائل ذات مغزى معين، بكل ما تحمله من فكر وأساليب وفنون وموضوعات، وهو ما جعل اللهجات الخليجية والخصوصيات الثقافية تنصهر في بوتقة الفهم المشترك في ظل التواصل الفاعل الدائم بين أبناء الشعب الخليجي. وهو ما مكن كذلك من تداول الأخبار وصناعتها في ضوء فهم مشترك ورؤية واضحة المعالم، لم تعد توحد قرارات صانع القرار السياسي أو تقربها وحسب، وإنما أصبحت تلقي بظلالها وتمتد في تأثيرها إلى مجمل الشعوب، لتهيئ جواً من الوحدة في الفكر والعاطفة ويتمخض عنها رأي عام خليجي وحدوي، وهو ما تبين بوضوح من خلال جملة من الملفات المحلية الخليجية لعل أبرزها أزمة البحرين 2011، والتي ظهرت فيها الوحدة الخليجية الشعبية في أقصى تجلياتها، والتفجيرات التي مست دور العبادة في السعودية والكويت، وما رافقها من فزعة شعبية خليجية تضامنية، فضلاً عن التعاطي المشترك على المستوى الشعبي مع القضايا الإقليمية والدولية كمجازر حلب والموقف الشعبي منها بدعم المستضعفين السوريين بالشجب الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي ناهيك عن جمع التبرعات، وهو ما يقاس على الملفات الأخرى. كل تلك الشواهد كانت كفيلة بأن تزيل الحدود الجغرافية من خرائط الخليجيين العقلية، لتتعاطى مع الكيان الخليجي ضمن هالة ضوئية واحدة تحدد ملامحها الجديدة المشتركة كإشعاع نور يشق طريقه من ثقب إبرة نحو العالم.
* اختلاج النبض:
بينما يرفع بعض مستخدمي «تويتر» بنادقهم لخلق العداء والفرقة بلا مسؤولية أو ضمير، يمنح الـ«واتس أب» مزيداً من الدفء في العلاقات الخليجية ويقربها، ورغم الإصرار العام على قانون الجرائم الإلكترونية بما يضمن الأمن الوطني للدول والحق العام وحقوق الأفراد من الاعتداء أو الإساءة، أصبح من الإنصاف الإقرار بأهمية تفعيل التواصل الاجتماعي الخليجي على مستوى أكبر، من خلال خلق ثقافة «تويترية» و«سوشالية» راقية، ورفع الحظر عن البرامج التي تتيح خاصية التواصل المجاني الفاعل نحو «فايبر» و«سكايب» وغيرها في بعض الدول الخليجية.