لا شك في أن سقوط حلب في يد النظام السوري شكل زلزالاً لكثير من القوى السياسية والعسكرية المتصارعة في سوريا. وسيؤدي إلى تغيير موازين كثيرة في المنطقة. ولا يشكل المشهد الإنساني الذي ضجت به الفضائيات والمواقع الإعلامية إلا ربع المشهد الحقيقي لقضية حلب. أما الثلاثة أرباع فتكمن في المفاوضات غير المعلن عن تفاصيلها التي تجري بين دول الصراع الحقيقي «أمريكا وروسيا وتركيا وإيران»، والجهات المرتبطة معها والفصائل المقاتلة تحت ألويتها.
في البدء علينا تذكر أن حلب التي يقطنها أكثر من خمسة ملايين سوري من مختلف الطوائف والعرقيات السورية تشكل المدينة الكبرى الثانية في سوريا بعد دمشق والمدينة الاقتصادية الأولى في الشام بما شكل منافسة قوية للمدن الصناعية التركية. واستناداً إلى خطة الثورة السورية فمن المفترض إعلان حلب عاصمة مؤقتة لسوريا الجديدة إلى أن يتم الاستيلاء على دمشق وإخراجها من سلطة النظام السوري الحالي. وعلى الرغم من سيطرة فصائل الثورة السورية على حلب كلها إلا أن ما أخر هذا الإعلان هو الخلافات الجذرية بين تلك الفصائل والصراعات الأيديولوجية والسياسية التي انخرطت فيها. لذلك شكل سقوط حلب بيد النظام السوري ضربة قاصمة لمشروع الثورة السورية وخلخلة في بنية المشروع وإرباكاً لعناصر المعارضة السورية.
والحرب مازالت طويلة في سوريا وليس سقوط حلب نهايتها حسب تصريح جون كيري وزير خارجية أمريكا. أما المفاوضات التي تجري على هامش قضية حلب ففي جزء منها يجري نقاش حول مصير مئات الآلاف من الأجانب الذين يقاتلون في سوريا مع كل الأطراف، وخصوصاً الأجانب المنضوين تحت لواء الجماعات المتطرفة مثل «النصرة» و«فتح الشام» و«داعش» وغيرها. ويبدو أن المفاوضات والمقايضات دقيقة وحرجة وأثارت غضب العديد من تلك العناصر. وليس المشهد الدرامي المخطط له بعناية لعملية اغتيال السفير الروسي في تركيا قبل ساعات من عقد أول اجتماع بشأن حلب في روسيا بين «تركيا وروسيا وإيران»، إلا رسالة من تلك التنظيمات المتشددة أنها لن تقبل التفريط في تقرير مصيرها لصالح غيرها.
وإذا وضعنا عملية اغتيال السفير الروسي في سياق أحداث حلب فإن تركيا بدأت تعاني من زيادة العمليات الإرهابية على أراضيها ابتداء من دخول النظام السوري لحلب الغربية قبل عدة أشهر، كما تم تفجير الكنيسة في مصر، وقد تعرضت مدينة الكرك الأردنية لعمليات إرهابية متقدمة. وأقدم تنظيم «داعش» على حرق جنديين تركيين في الأراضي السورية وقام بنشر فيلم تصويري للحادث.
هذه كلها هزات ارتدادية لزلزال حلب، تستدعي رفع درجة الحذر الأمني في الدول العربية. خصوصاً مع تصاعد التصريحات العلنية لبعض رموز التيارات الإسلامية بأن سقوط حلب سببه تخاذل الحكام عن دعم ثوار سوريا، وأنه سيؤدي إلى تطاير الرؤوس في شوارع بلداننا!! وهي تصريحات أثارت كثيراً من التحفظات بعلاقات رؤوس الشعوب العربية الأخرى بسقوط حلب! مما يشكل قلقاً من استغلال أحداث حلب لتبرير العمليات الإرهابية التي قد تخطط الفصائل المتشددة لتنفيذها في بعض الدول. وهو تخطيط يتقاطع مع رغبة النظام السوري وحلفائه في تصدير الإرهابيين إلى دول الجوار.
الحرب في سوريا مازالت مستمرة لأنها حرب إقليمية تدور رحاها على الجغرافيا السورية وعلى اللحم السوري، وما حلب إلا فصل رئيس من فصول تلك المعارك الطويلة والقاسية. والمشاهد الإنسانية المؤلمة لمأساة الشعب الحلبي يجب ألا تلهينا عما بعد حلب. وعن التفاهمات الجديدة التي قد تحدد مصير آخرين خارج حلب، وخارج سوريا.