قد تبدو الأجواء في أوروبا باردةً مناخياً ولكنها ملتهبة سياسياً لعدة أسباب من بينها بزوغ نجم اليمين المتطرف والتعاطي مع قضايا الإرهاب وتدفق الأعداد الكبيرة للمهاجرين.
وبالرغم من أن الدول الأوروبية تجاوزت خلافاتها التاريخية لوجود مصالح مشتركة، إلا أن الخلافات التي تنشأ في نطاق أوروبا -وإن اتسمت ظاهرياً بالطابع السياسي والاقتصادي- تكون لها أبعادٌ تاريخية أو إثنية في بعض الأحيان.
ومن الدول التي تعاني من هذه المشكلة بلجيكا وإسبانيا «متمثلةً بإقليمي الباسك وكاتالونيا» وفرنسا «متمثلةً بإقليم كورسيكا».
ففي بلجيكا، توجد خلافات تاريخية بين الناطقين باللغة الهولندية والناطقين باللغة الفرنسية.
وقد أدت هذه الخلافات إلى الأزمة التي أعقبت الانتخابات البرلمانية في بلجيكا عام 2010، حيث لم تتوصل النخب السياسية هناك إلى اتفاقٍ بشأن تشكيل الحكومة.
وبعد مفاوضات عسيرة امتدت لأكثر من سنة، وقع الاختيار على «إليو دي روبو» ذي الأصول الإيطالية ليترأس الحكومة الجديدة!
وفيما يخص أحزاب اليمين المتطرف، فبالرغم من عدم تواجدها في دوائر صنع القرار في معظم الدول الأوروبية، إلا أنها تمكنت من التأثير على الرأي العام الأوروبي بسبب الأحداث الأخيرة وكذلك تعزيز خطابات الكراهية خاصةً تلك المتصلة بالإسلاموفوبيا.
وقد تمكن تيار اليمين المتطرف في أوروبا من تحقيق بعض المكاسب خلال الأعوام الماضية كحصوله على «39» مقعداً من أصل «751» مقعداً في البرلمان الأوروبي.
وقد يبدو هذا العدد بسيطاً، إلا أنه يمكن أن يُحدث إخلالاً في التوازن السياسي داخل منظومة الاتحاد الأوروبي.
ومن غير المستغرب أن تجد أعضاءً في أحزابٍ رئيسة أو تقليدية أوروبية يؤمنون ببعض الأفكار التي يتبناها تيار اليمين المتطرف.
ويعد حزب الحرية الهولندي -الذي يقوده غيرت فيلدرز المعروف بمواقفه العدائية تجاه الإسلام- من أقوى أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم هذا الحزب على الأحزاب الأخرى بنسبٍ تجاوزت 30%، وأنه من المحتمل أن يتمكن فيلدرز من تشكيل الحكومة الجديدة في هولندا.
وبالنسبة لحزب «الجبهة الوطنية» وهو حزبٌ يمينيٌ متطرفٌ في فرنسا، فإن هناك مؤشرات على قدرة مارين لوبان زعيمة الحزب على المنافسة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية القادمة في فرنسا.
وهذا التفوق المعنوي يعيد إلى الأذهان المفاجأة التي أحدثها والدها زعيم الحزب آنذاك جان ماري لوبان عندما حل ثانياً في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في عام 2002، وتسبب في اعتزال مرشح رئاسي قوي وهو ليونيل جوسبان للسياسة بعد حلوله ثالثاً.
ولو افترضنا أن مارين لوبان ظفرت بالرئاسة، فإنها لن تتمكن من إدارة فرنسا كما يحلو لها في ظل وجود رئيس حكومةٍ من حزبٍ آخر.
وفي النمسا، أُجريت مؤخراً انتخابات رئاسية خسر فيها نوربرت هوفر مرشح اليمين المتطرف.
وتعد الانتخابات سالفة الذكر بمثابة عملية جس نبض خاصةً وأن حزب الحرية النمساوي -وهو أيضاً حزبٌ يمثل اليمين المتطرف- لديه قاعدة جماهيرية.
وكان زعيم الحزب الأسبق يورجهايدر قاب قوسين أو أدنى من تولي منصب المستشار -أي رئيس الحكومة في النمسا- عقب الانتخابات البرلمانية في عام 1999 لولا الضغوطات الآتية من دولٍ أوروبية.
إن التقلبات التي شهدتها أوروبا مؤخراً أسفرت عن تغييرات فكرية جذرية تمثلت في رفع الغطاء الأيديولوجي عن توجهات النخب السياسية في أوروبا ومجابهة تلك النخب للمزاج السياسي العام الذي تحركه الشعوب الأوروبية.
وقد أدى هذا التصادم الفكري إلى تشكيل حكومات تكنوقراط أو تمثل أقصى اليسار كحكومة ماريو مونتي في إيطاليا.