اغتيال السفير الروسي لدى تركيا جريمة، لذا بادرت كل دول التعاون والعالم إلى إدانتها ووصف العملية بالإرهاب، وقد أكد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أنه «عمل إرهابي آثم يتنافى مع جميع الأعراف الإنسانية والمبادئ والقيم الأخلاقية»، وشدد جلالته في برقية تعزية بعثها إلى رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين على استنكار البحرين وإدانتها الشديدة للهجوم المسلح.
هذا هو الموقف الرسمي والواجب الإنساني، فما حدث اعتداء غير مقبول أبداً، أياً كان الضحية وأياً كان الموقف منه أو من البلاد التي ينتمي إليها، فهذا الفعل يتنافى مع كل القيم والأخلاق ولا يمكن أن يطلق عليه سوى أنه عمل غادر جبان. لهذا استنكر كل ذي عقل حالة الفرح التي غمرت البعض الذي اعتبر ما حدث أمراً طيباً بحجة أنه جاء بقصد التعبير عن الرفض للدور الروسي في سوريا، فشمت ورقص واعتبره انتقاماً منصفاً. لكن في المقابل لم يكن معقولاً أبداً اعتبار المنحازين للنظام السوري عملية الاغتيال مسألة تستوجب «تعظيم الأجر» لهم، كما استشف ذلك من تغريدات الكثيرين -لعل أبرزهم المدعو عبدالحميد دشتي- الذين فسروا ما حدث على أنه محاولة لمنع التوصل إلى نهاية للحرب الدائرة في سوريا وربطوا الأمر بما أسموه «الانتصارات» في حلب، وكالوا ما شاؤوا من تهم للآخرين بعدما وصفوا الضحية بالشهيد، وعبروا عن «خالص العزاء «للشعب الروسي الصديق ولحكومة روسيا الاتحادية»، بينما كتب دشتي «لن ننسى تضحياتكم من أجلنا»، من دون أن يوضح المقصود بكلمة «من أجلنا» «إلا إن كان يعتبر نفسه جزءاً من النظام السوري»!
ما ينبغي توضيحه هو أن تواجد أي دولة في سوريا وتحملها أعباء ونتائج ما يجري هناك هو من أجل الدفاع عن مصالحها، فلا الداعمون للثائرين على ظلم الأسد بمختلف فصائلهم يدعمونهم من أجل سواد عيونهم، ولا الداعمون للنظام السوري يدعمونه من أجل سواد أو خضار عيون بشار. الكل هناك يعمل من أجل تحقيق أهداف تخصه وتخدم سياسته وتعود عليه بالمنفعة، وبالتالي فإن القول إن روسيا قدمت التضحيات من أجل سوريا قول غير دقيق، تماماً مثلما أنه غير دقيق القول إن أمريكا وفرنسا وغيرهما يقدمون التضحيات من أجل المعارضة السورية.
ما حدث للسفير الروسي لدى تركيا جريمة ولكن ما تصبح عليه سوريا وتمسي يومياً بفعل أطراف أقحمت نفسها في المشكلة السورية جرائم أيضاً، ولا يمكن في كل الأحوال تبرئة روسيا منها، فالطلقات التي اخترقت جسد سفيرها يخترق مثلها يومياً الكثير أجساد السوريين الذين انتفضوا ضد ظلم عائلة الأسد المهيمنة على الحكم في سوريا، ولا يهمها من أجل الدفاع عن نفسها فناء الشعب السوري عن بكرة أبيه، وهي تتحالف من أجل ذلك حتى مع الشيطان.
طبعاً تعاطف المهووسين بنظام الأسد وحزنهم على ما حدث للسفير الروسي كان يمكن أن يكون مضاعفاً لو أن الضحية كان السفير الإيراني، فهؤلاء يؤمنون بأن تواجد إيران في سوريا مختلف تماماً عن أسباب تواجد الروس وغيرهم وأهدافهم هناك، فليس لإيران أية أهداف سوى مناصرة «حق» بشار الأسد وتثبيته في كرسي الحكم ثم المغادرة لمناصرة من تعتقد أنه يستحق المناصرة!
قتل السفير الروسي جريمة وعمل مدان، وشماتة البعض وتعبيرهم عن فرحتهم بحدوث ذلك أمر مرفوض أيضاً ومدان، لكن مرفوض ومدان أيضاً نصب البعض لسرادق العزاء في سوريا، فروسيا مثلها مثل غيرها من الدول المتواجدة هناك تعمل من أجل مصلحتها وتقصف السوريين المعارضين لبشار الأسد بأحدث الأسلحة. عدا أنها الأحق بنصب السرادق!