في السابق كان هم العرب والمسلمين تحرير فلسطين من المغتصب بني صهيون، وكانت الأمنيات في تحرير المسجد الأقصى تعلو وتنادي القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وتنشد معاركه، واليوم تعددت الهموم وأصبحت الأحواز والعراق وسوريا واليمن، كفلسطين، توسعت دائرة العداء للعرب والمسلمين، بعدما برزت الأيديولوجيا، الصهيونية، والمد الصفوي، و«الحشد الشعبي»، وأيديولوجية البعثية، وأيديولوجية تنظيم الدولة «داعش»، جميعها باختلاف مسمياتها ومعتقداتها، حتى أصبحت نداءات الاستغاثة تتعدد، فجماعة تنادي أين خليفة المسلمين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، الذي فتح فارس، وأين القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، الذي حرر القدس، وأين المعتصم رحمه الله، الذي لبى استغاثة امرأة على حدود بلاد الروم، وغيرهم من قادة العرب والمسلمين الذين كانت بطولاتهم بصمات خالدة تهابهم جيوش الإمبراطوريات وملوكها وتخاف منهم أقوى جيوش أوروبا.
بلادنا العربية تسقط واحدة تلو الأخرى، وتغلق أمام اغتصابها ونهبها وقتل الأبرياء فيها، جميع قواميس الإنسانية، وتغلق أيضاً أفواه المنظمات الدولية، فهذه المنظمات لقضايا العرب لا تسمع لا ترى لا تتكلم، هي ليست منظمات دولية، بل ظالمات وناصرات للظلم والاضطهاد، قضية فلسطين والأحواز ماتت، وملفات العراق أغلقت، ومدن سوريا تحتضر، هل نلوم المنظمات الدولية في ذلك أم نلوم مؤامرات الدول الكبرى أم نلوم العرب أنهم ليسوا على كلمة رجل واحد أم اللوم يقع على الأيديولوجيات الإسلامية التي تحسب نفسها أنها على ملة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟! فعلى أعتاب بلادنا العربية تتبدل المكاييل وتتغير المقاييس، وعلى أعتابها تسقط الإنسانية، بني آدم أو بني البشر تختلف لغاتهم ودياناتهم ومعتقداتهم وألوانهم وأعراقهم وحتى طباعهم وثقافاتهم وأعرافهم، يختلفون نعم، إنهم مختلفون ولكنهم يفترض أنهم يجتمعون في الإنسانية، لأننا جميعاً نلبس رداء الإنسانية، فالإنسانية تسترنا، توحد لغتنا، وتجمع قلوبنا، عندما يتعلق الأمر بالعرض والنساء والأطفال والشيوخ والعزل والمرضى.
أين الرحمة في أنين الجرحى وبكاء الثكلى؟ أين الإنسانية في ذهول الأطفال وبكاء الشيوخ؟ كيف تبدو لوحة حلب في عيون البشرية بعدما تراقصت قذائف الغدر على أجساد المدنيين، هل سرتهم الجثث المتناثرة والدماء المتجمدة في وجوه الأطفال؟ هل تختلف الإنسانية عندما تكون الضحية امرأة عربية؟ وهل يختل ميزان الرحمة عندما يجوع الأطفال وعندما يبكي الشيخ الكبير حرقة على بلاده التي ضاعت في صفقة شيطانية؟ صفقة بين مجرم حرب مثل بشار ألأسد ومجرمي إيران وحليفتهم روسيا، فعندما يقبع هؤلاء على كراسي الحكم تموت كل المعاني الجميلة التي نادى بها كل من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم والمهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج ونيلسون مانديلا.
هل يستوعب العرب ماذا يحدث في الجوار ولماذا تساعد إيران كلاً من سوريا وروسيا؟ لماذا يتسلح العرب بأضعف الإيمان؟ ويعبر عن مواقفه بالاستنكار فقط؟ مساعي المملكة العربية السعودية ودول الخليج لحل الأزمة السورية حثيثة، إلا أن ذلك يحتاج إلى تكاتف عربي حقيقي وقوة لا تهزم، يتوهم من يظن أن مصلحته مع النظام الإيراني والنظام السوري، ويتوهم من يظن أن إيران دولة صديقة، فمن بيته من زجاج لا يلعب أبداً بالحجارة، ولا يقذف غيره بها، «والكلام لج يا جارة».