عندما يتعلق الأمر بتاريخ العلاقات بين دول الخليج العربي وبريطانيا، فإننا نتحدث هنا عن علاقات راسخة وقوية تمتد لقرنين من الزمان تمخضت عنها صداقة وتعاون وشراكة استراتيجية فعالة بين دول الخليج العربي وبريطانيا.
وفي «قمة الصخير» التي استضافتها البحرين ارتقت تلك العلاقات الخليجية – الخليجية، والخليجية – البريطانية إلى أسمى مراتب النجاح نحو تعزيز الشراكة والتكامل الاقتصادي بين دول الخليج من جهة، والاقتصادي والأمني بين الخليج وبريطانيا من جهة أخرى، صحيح أننا لم نشهد قيام اتحاد خليجي رسمي بين دول «التعاون»، ولكننا نأمل أن تمهد الشراكة الاقتصادية الطريق للاتحاد المنشود بين دولنا في ظل أوضاع غير مستقرة بالمنطقة.
الملاحظ أيضاً أن إيران كانت غاضبة بعد القمة الخليجية، لكن لماذا؟! هل كان غضبها بسبب ما صرحت به رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي عن إيران؟! واعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية، وتطلب الأمر أن تستدعي سفير بريطانيا في طهران لتنقل إليه احتجاجها من تلك التصريحات؟! لكن بالعودة لكلمة رئيسة وزراء بريطانيا في القمة وبخصوص ما قالته عن إيران، ونقتبس منه التالي: «... إنني أرى بوضوح التهديد الذي تشكله إيران لدول الخليج ولمنطقة الشرق الأوسط عموماً.. علينا كذلك التعاون معاً للتصدي لأفعال إيران العدائية في المنطقة، سواء في لبنان أو العراق أو اليمن أو سوريا أو في منطقة الخليج»، انتهى الاقتباس.
ما قالته تيريزا ماي ليس جديداً، بل هي الحقيقة، التي لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها، فإيران تتدخل في شؤون المنطقة، وتشكل تهديداً بسبب أفعالها العدائية لدول عربية، وهذا ما نقوله دائماً في الخليج العربي سواء على الصعيدين الرسمي أو الشعبي، وكل ما هنالك أن رئيسة وزراء بريطانيا رأت الحقيقة كما وصفتها بـ»وضوح» فنطق لسانها بما رأت، فلماذا تغضب إيران من الحقيقة؟!
هل غضبت إيران بسبب التعاون الاستراتيجي بين دول الخليج العربي وبريطانيا؟! خاصة في الشأن الدفاعي، وتشكيل فريق عمل مشترك معني بمكافحة الإرهاب وأمن الحدود، وتوجه بريطانيا لتخصيص 3 مليارات جنيه استرليني لتعزيز أمن حلفاء المملكة المتحدة، والعمل على منع أية هجمات على منطقة الخليج من أية جهة كانت، حتى لو كانت شبكة الإنترنت. وهذا ما قالته رئيسة وزراء بريطانيا في القمة.
أم أن غضب إيران جاء بسبب توجه الخليج العربي وبريطانيا نحو تعزيز التعاون الاقتصادي ضمن استراتيجية مستقبلية تمتد لعقود قادمة، خاصة في ظل نشاط اقتصادي ضخم بين الجانبين؟! حيث بلغ حجم التجارة بين دول الخليج وبريطانيا 30 مليار جنيه إسترليني في العام الماضي فقط، وأن بريطانيا تتوقع تعاوناً أكثر ازدهاراً في المستقبل، ولذلك أكدت رئيسة وزرائها على استقرار وأمن المنطقة، بل واعتبرت أن أمن الخليج العربي من أمن بريطانيا نفسها، فهل غضبت إيران بسبب أن هذه الشراكة الخليجية البريطانية ستعطل مشاريعها وأطماعها في المنطقة؟
أم أن غضب إيران جاء بسبب ما تشهده دول الخليج العربي من اتحاد قائم على الأخوة والتعاون والمحبة الصادقة بين دولنا وشعبنا الخليجي؟ وهذا اتحاد لا يفهمه نظام مثل إيران قائم على البغض والحقد والكره والإقصاء لكل من يعارض سياسته.
لعل غضب إيران سببه أن القمة وما نتج عنها من قرارات جاءت من أرض مملكة البحرين التي شهدت خلال الأيام المتزامنة مع القمة أحداثاً دولية كبيرة، منها مؤتمر المصارف العالمي، وحوار المنامة، ومسابقات الرجل الحديدي الدولية، وما ضمته تلك الفعاليات من شخصيات سياسية واقتصادية وأمنية ورياضية عالمية، التقت جميعها على أرض البحرين التي لم تنفك إيران عن الإساءة إليها والتدخل في شؤونها عبر أذنابها وإعلامها المأجور.
فهل غضبت إيران من نجاح البحرين الدائم في استضافة فعاليات هامة تؤكد من خلالها أنها أرض خير وسلام لكل من يزورها؟! أم أن غضب إيران سببه النجاح الباهر للقمة الخليجية بالحضور البريطاني عالي المستوى والذي نتج عنه قرارات استراتيجية هامة للمنطقة؟ أو أن غضب إيران سببه حقاً وصدقاً بضع كلمات قالتها رئيسة وزراء بريطانيا خلال القمة لا تمثل سوى حقيقة إيران.. فما الذي أغضب إيران حقاً؟!