كلنا يسمع اليوم عن خطط متنوعة من أجل إحياء الأسواق الشعبية وتطويرها في البحرين، وهذه خطوة إيجابية تحسب للقائمين على هذه المشاريع والأفكار. فمنذ زمن بعيد ونحن ننادي بأهمية إحياء أسواق الأجداد وإبقائها كمعلم من معالم التراث الوطني في سبيل أن تصمد في وجه الحداثة الاقتصادية متمثلة في المجمعات التجارية الكبيرة والتي كادت أن تنهي وجود أسواق عريقة كسوق المنامة.
هناك مجموعة من الجهات تسعى لتطوير سوق المنامة وعلى رأس تلكم الجهات وزارة الصناعة والتجارة والسياحة، وغرفة تجارة وصناعة البحرين، وهيئة البحرين للسياحة والمعارض، وهيئة البحرين للثقافة والآثار، إضافة للأوقاف الجعفرية، وبمشاركة اللجنة الأهلية لتطوير سوق المنامة القديم. هذه الجهات يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كل الأمور التي من شأنها إحياء الأسواق القديمة، كما هو الحال في كل العالم، لتعود هذه الأسواق إلى مكانتها الكبيرة في منطقة الخليج العربي. اليوم هناك أكثر من 7 آلاف محل تجاري في سوق المنامة وحده، وهذا الرقم يعتبر من أبرز المؤشرات التي تعطينا انطباعاً حقيقياً عن تاريخ هذا السوق وعراقته.
يبدو أن الجهات المختصة بشأن الأسواق القديمة في البحرين وعلى رأسها سوق المنامة ناقشت كل ما من شأنه أن يطور هذا السوق من كل الجهات، لكن في اعتقادنا المتواضع أنها لم تناقش أهم الخطوات التي يمكن من خلالها أن يعود سوق المنامة لمكانته الطبيعية كما كان ذلك حاصلاً قبل أربعة عقود لمن أراد أن يتذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين. إن أهم ما يمكن أن يقال من النقاط والخطوات في هذا الملف الساعي لتطوير السوق هو الذهاب لخطوات أكبر وأعمق من تطوير المباني وتنظيم الشوارع، وما إلى ذلك من الأمور الفنية المهمة والتي لا تخرج عن إطار الشكل الخارجي في نهاية المطاف، بينما يجب التركيز أثناء التطوير على الجانب المهم والذي بسببه مات سوق المنامة ألا وهي «بحرنته».
نحن نجزم بأن «بحرنة» سوق المنامة هو أهم بكثير من تعديل وتطوير المحال التجارية وتوسعة مواقف السيارات وما إلى ذلك من الأمور الفنية، فلا يمكن أن تصرف الجهات المختصة ملايين الدنانير لتطوير سوق غالبية أصحابه من الآسيويين إن لم نقل أن عدد البحرينيين فيه ربما يعدُّ على الأصابع، «فأجنبية» سوق المنامة هي من أبرز العوامل الطاردة للمستهلكين فيه، ولهذا يجب أن تأخذ الجهات المطوِّرة في اعتبارها هذا الأمر وإلا ستضيع «فلوسك يا صابر» على تطوير مشروع وطني هام لكنه ليس للتجار البحرينيين بل سيكون لأجل مجموعة من التجار الآسيويين فقط، بل ربما يكون تطويره لأجل تجار من «المافيات الأجنبية» التي باتت تتحكم في السوق ومفاصله ولا ينبيك به غير التاجر البحريني. «بحرنة» السوق هي المهم والأهم، وهي الخطوة الأولى وليست الأخيرة في عملية التطوير ومسيرته، وإلا صدقوني ستذهب كل الجهود أدراج الرياح، ففي كل العالم هناك أسواق شعبية لكن كلّ من يديرها يعتبر من أهل تلكم الأوطان، فهذه حتمية ثقافية ووطنية وليست مجرد رأي، فهل سيلتفت القائمون على تطوير أسواقنا القديمة لهذا الأمر الجوهري أم أنهم سيطوِّرون الحجر وينسون البشر؟