سأتناول موضوعاً مختلفاً هذه المرة بما أنني متخصصٌ في مجال القانون الدولي، وهذا الموضوع هو حديث المجتمع العربي في ظل الأخطار التي تعصف بأمتنا، ألا وهو تطوير جامعة الدول العربية، وسيشار إليها فيما بعد بـ»الجامعة».
إن فكرة تطوير الجامعة بشكلٍ جذري كانت مطروحة باستمرار، ولم يتم اتخاذ الخطوات الفعلية حيال ذلك إلا في عهد الأمين العام الأسبق عمرو موسى. وبالرغم من أن الجامعة قد تأسست قبل الأمم المتحدة بثلاثة أشهر، إلا أن ميثاق الأمم المتحدة نص على تقسيم المنظمة إلى ستة أجهزة رئيسة من بينها، الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومحكمة العدل الدولية. وقد لاحظت أن ميثاق الجامعة بنصه الحالي لم يبرز جميع الأجهزة التابعة للجامعة سواء كانت قائمة أو لاتزال في طور الدراسة. وعليه فقد أشار مشروع الميثاق الجديد للجامعة إلى عدة أجهزة ولجان ومنظمات متخصصة، لكننا نرى الاكتفاء بإبراز عددٍ أقل من الأجهزة واعتبارها أجهزة رئيسة وهي: مجلس الجامعة «على مستوى القمة أو وزراء الخارجية أو المندوبين الدائمين»، والأمانة العامة للجامعة، والبرلمان العربي، ومجلس السلم والأمن العربي، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومحكمة العدل العربية، والمحكمة العربية لحقوق الإنسان.
وقد تشرفت بالمشاركة ضمن وفد مملكة البحرين في اجتماعات اللجنة الفنية المكلفة بإعداد النظام الأساسي للمحكمة العربية لحقوق الإنسان، والتي تعد ترجمةً لرؤية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بشأن إنشاء المحكمة، وكانت هذه اللجنة تعقد اجتماعاتها في مقر الجامعة بالقاهرة.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإننا نرى إضافة مادة جديدة تنظم العلاقة بين الجامعة والمجالس والمنظمات العربية المتخصصة وعلى الأخص مجلس وزراء الداخلية العرب -برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية بالمملكة العربية السعودية- الذي أُعجبتُ بتنظيمه الإداري والفني خلال مشاركتي في اجتماعٍ عقد في مقر المجلس بتونس. ونرى أيضاً إضافة مادة أخرى تجيز إنشاء أجهزة مساندة على أن يتم تحديد مهامها وتبعيتها بقرارٍ من مجلس الجامعة.
ومن الأمور التي أسهمت في عدم البت في ميثاق الجامعة الجديد عدم الانتهاء من دراسة مشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية، وكذلك وقف العمل بالنظام الأساسي لمجلس السلم والأمن العربي الذي أُنشئ على غرار مجلس الأمن بالأمم المتحدة، مع وجود فوارق لعل من أبرزها عدم وجود دول دائمة العضوية واستخدام حق النقض «الفيتو».
فبالنسبة لمحكمة العدل العربية التي من المقرر أن تنشأ على غرار محكمة العدل الدولية، فقد صدر قرارٌ في القمة العربية قبل سنتين بإعادة عرض مشروع النظام الأساسي للمحكمة على وزراء الخارجية بالدول العربية لمزيدٍ من الدراسة خاصةً وأن هناك بعض النقاط الجوهرية التي لم تحسم بعد. ولا أرى ضيراً في قيام الأمانة العامة للجامعة بتقديم دراسة تستعرض فيها تجربة محكمة العدل الكاريبية التي أُنشئت قبل عشر سنوات، والتي يسري نظامها الأساسي على معظم دول البحر الكاريبي بالإضافة إلى دولتي بيليز وغويانا. وللعلم فإن محكمة الاستثمار العربية -التي أُنشئت وفقاً لأحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية- تمارس اختصاصات محكمة العدل العربية مؤقتاً وذلك بالنسبة للمنازعات التجارية.
لقد حاولت في هذا المقال أن أقدم لكم ملخصاً لآخر المستجدات فيما يخص منظومة جامعة الدول العربية بغض النظر عن الأحداث الأخيرة التي أثارت الرأي العام العربي وأترك لكم التحليل.