«يحرق إللي بدو يحرق» هذه دعوة أو شتيمة متداولة على ألسنة إخواننا الفلسطينيين منذ أمد بعيد، فهل كانت أبواب السماء مفتوحة عندما قالها أحدهم يوماً؟! ليشتعل المغتصب الصهيوني وبلده في حريق إسرائيل الأسود؟ ثم إن المتتبع لحوادث التاريخ ومن كان يؤمن بشؤم الرقم «13»، لعله يرتعب اليوم من تلك المصادفة الكارثية التي يحملها الرقم «6» في باب الحرائق التاريخية، فحريق الطاغية الروماني «نيرون» كان في 64 م، وحريق لندن العظيم كان في 1666م، بينما جاء حريق إسرائيل الذي شهدناه قبل أيام في 2016 م!!
ولكن على أية حال، فإن ذلك يجعل من الحرائق باباً تاريخياً عظيماً يستحق الدراسة، لما لها من انعكاسات على مجرى الحياة والتاريخ محل وقوعه، فنهضة لندن وإعمارها لم يأتيا إلا على أعقاب حريقها العظيم، ولا يختلف الأمر في روما كثيراً، فهل هناك ثمة إعمار قادم أو منعطف تاريخي مرتقب يغير مساراً ما يتعلق بإسرائيل؟ تفيد تصريحات وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إزاء الحريق «ترجيح أن يكون نصف الحرائق التي اشتعلت في أنحاء مختلفة من إسرائيل متعمداً وبفعل فاعل»!! ولا شك في أن إسرائيل لن تتردد في اتهام أحد، ولعل الفلسطينيين على رأس القائمة.
مما لاحظنا في حريق إسرائيل ارتفاع نبرة الشماتة رغم أنها لا تليق بمسلم، وهو ما أظهرنا قاصري الحيلة لا نملك إلا الشماتة والشتيمة إزاء إسرائيل، ثم إنه رغم إيماننا بالبعد الإنساني إلاَّ أنه كثيراً ما أقلقتنا «الفزعة الدولية» لإسرائيل، ربما لعلمنا اليقيني بخبث الصهاينة وهو ما دعا للقول بأن الحريق مفتعل وصنيع إسرائيلي، حريق أسود يبيض وجه إسرائيل!! وهو ما جعل العالم الإسلامي في حيرة من أمره حول ما إذ وجب عليه إظهار التعاطف مع الإسرائيليين من باب البعد الإنساني وتقديم الدعم اللازم، أم الوقوف لتحل عليهم اللعنة ولينالهم انتقام الله كما أسماه البعض..!! لكن ما لا يمكن طرحه في سياقات احتمالية هو أن إسرائيل ستتخذ من هذا الحريق بقرةً حلوباً، تستدر منه المساعدات والتعويضات والمعونات لآخر نقطة، وتمتص كل أشكال التعاطف العالمي المتاحة حتى الرمق الأخير، لاسيما أنه وخلال مسرحيته الانتخابية كان «ترامب» مناوئاً لمنظمة «إيباك» وإسرائيل بصفة عامة، ولكننا نلحظ نغمة تراجع بعد نجاحه. فهل سيجدها فرصة للتقرب والتودد إلى إسرائيل؟
* اختلاج النبض:
هل ستؤسس إسرائيل بهذا الحريق لتاريخ جديد من العداء في المنطقة وتضع دعامات خطط مستقبلية غوغائية عملاً بالتجربة الأمريكية لأحداث 11 سبتمبر التي ما زال الشرق الأوسط يعاني من ويلاتها حتى بعد مضي 15 عاماً على حدوثها؟