في زيارتي الأخيرة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب 2016، ذهلت من حجم الإقبال الكبير على المعرض. وحسب الإحصائية التي ترددت فإن عدد الزوار الذين توافدوا على المعرض قد تجاوز المليوني زائر، حسب إحصائيات اللجنة المنظمة للمعرض. وشخصياً كان حجم الزحام يعيقني عن الاستمرار في التجول لأكثر من ثلاث ساعات.
ويصعب تجاهل التنظيم العالي للمعرض الذي يجعله أحد أهم معارض الكتاب في الوطن العربي، من حيث تنوع دور النشر وإقبالها على المشاركة فيه، ومن حيث حجم القاعة المخصصة للمعرض والخدمات المزودة بها من مكاتب مراجعة متعددة ووسائل البحث الالكتروني والمطاعم المتوفرة في القاعة. وكذلك قاعات المحاضرات المتعددة وتدشين الكتب المختلفة، والأنشطة الكثيرة في برنامج المعرض التي تشكل عنصر جذب حقيقي للمعرض.
الحضور، حسب ما رأيتهم، كانوا من مختلف الأعمار والجنسيات والثقافات. البعض من مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة والمقيمين فيها من مختلف الجنسيات، والبعض الآخر مثلي من خارج الإمارات جاؤوا خصيصاً لزيارة المعرض. بعض الشباب كان يبدو عليهم الاهتمام بالقراءة والثقافة والالتزام، وآخرون يرتدون أزياء شبابية ويمشطون شعورهم حسب الصرعات الحديثة. في المعرض تستطيع قراءة الكثير من التوجهات والسلوكيات الاجتماعية والثقافية التي يعبر عنها زواره.
هذا التزاحم والتدفق المثير في المعرض وغيره من المعارض وفعاليات القراءة التي تشهد ازدياداً مطرداً، تطرح تساؤلاً جاداً عن حقيقة القراءة في الوطن العربي. هل كل هؤلاء يقرؤون حقاً؟! وماذا يقرؤون تحديداً؟ وماذا أضافوا للثقافة العربية الحالية بقراءاتهم؟!
في المقابل آلمني منشور على «فايسبوك» لأحد الكتاب والشعراء العرب الذي يعيش في إحدى الدول العربية «المنكوبة» وهو يعرض مكتبته للبيع. وذكرني المنشور بمقطع الفيديو المتداول منذ سنوات لأحد أساتذة الجامعة في العراق، وهو يبيع كتبه في شارع المتنبي بعد أن تدهورت أوضاعه المالية بتدهور الوضع السياسي في البلاد. ويصعب أن تضبط طرفي التناقض الثقافي بين نخب فكرية جادة تعصر رحيق الكتب لتضيف كل جديد ونوعي للأمة، وبين إقبال نوعي على الكتاب ليست آثاره بالواضحة. وأكثر ما يخشاه المرء أن يتحول الكتاب إلى سلعة استهلاكية، وأن تتحول الثقافة إلى مظهر اجتماعي «وبرستيج»، يضاف إلى شكلانية الأمة وانجرافها نحو البهرجة الإعلامية. وأياً كان تفسير تلك الظاهرة الثقافية، فإن معرض الشارقة للكتاب يستحق كل الاحترام والتقدير على التنظيم النوعي والأداء المبهر للجهة المنفذة. وإن كل خطوة تنتهجها وزارة الثقافة لدعم الكتاب والقراءة والتثقيف والتوعية ستبقى وسيلة حضارية للتغيير والتحديث وإن لم تكن بالعمق المتوقع والمؤثر.