هل بدأ «حزب الله» يقضم العهد العوني قبل أن يشكل هذا العهد حكومته الأولى؟
الجواب يمكن استكشافه في تطورات الأسبوعين الأخيرين، من خلال مجموعة وقائع تتلاقى على أن الثنائي الشيعي في لبنان «حسن نصرالله ونبيه بري» يخوض مواجهة مكشوفة لاحتواء الجنرال الرئيس وتدجينه قبل أن يمسك بالسلطة، وقبل أن يشتد ساعده على رأس الدولة.
خطة الاحتواء هذه تنطلق من المعادلة القائلة بأن وصول الرئيس إلى بعبدا هو في النهاية نتيجة إرادتين: إرادة إيرانية وإرادة روسية، في غياب القرار الأمريكي، والقبول السعودي بهذه «التسوية» هو أقرب ما يكون إلى التسليم بالأمر الواقع في لبنان على قاعدة ما أعلنه الأمير خالد الفيصل، «لا نريد أن يكون لبنان ساحة خلاف عربي بل ساحة وفاق».
ونتوقف عند بعض الوقائع:
العرض العسكري الذي تعمد «حزب الله» تنظيمه في القصير، على مسافة عشر دقائق من الحدود اللبنانية، والذي أظهر الحزب كقوة عسكرية نظامية، كأي جيش مقاتل في أرض المعركة، واكبه حديث إيراني عن مصنع صواريخ في حلب، وربما في موقع سوري آخر، وحديث سوري عن احتمال تزويد «الجيش الشيعي الجديد» بطوافات وطائرات ومعدات عسكرية رادعة. بكلام آخر، الخطة تقضي بتحويل القوة الشيعية في لبنان وسوريا، إلى قوة تدخل سريع، أو «حشد شعبي» آخر قادر على تنفيذ عمليات في المدى السوري اللبناني، وفق ما تقضيه مستلزمات المعركة. هذا يعني أن التجربة الحوثية في اليمن قابلة للاستنساخ، وأن الربط بين مشروع «سوريا المفيدة»، والتغييرات الديمغرافية التي تواكب هذا المشروع، في الداخل السوري، يدخل مرحلة جديدة، و«حزب الله» الذي كان يمشي على قدميه، بات يلعب دوراً ميدانياً في رسم وحماية الحدود الجيوسياسية البديلة عنما تدخل الحرب السورية مرحلة ما قبل الحل.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه إيران أنها تتوجه إلى إقامة ورش صواريخ في دول أخرى، على امتداد «الهلال الشيعي»، ومن بينها العراق، على قاعدة «أن طريق القدس تمر بكربلاء» ولا بد من «درء الخطر الإسرائيلي القادم في الدول المحيطة بفلسطين»، يكشف اللواء حسن فيروز أبادي، رئيس هيئة الأركان الإيراني السابق، أن بلاده أجرت تجارب على صاروخ «عماد» الباليستي الذي يبلغ مداه 1700 كيلومتر، وأن هذه التجارب جزء من الاستراتيجية الإيرانية في مرحلة ما بعد التفاهم النووي.
في مواكبة هذا الضجيج، على وقع معركتي حلب والموصل، ضجيج آخر في لبنان، بعد انتخابات الرئاسة التي كانت أشبه بالولادة القيصرية في جسد الدولة المتهالك. ومنذ بدأت مشاورات تشكيل الحكومة يتبارى الثنائي الشيعي في عرقلة مهمة الرئيس المكلف، واستطرادا الرئيس المنتخب، وإطلاق صواريخ باليستية سياسية هنا وهناك وهنالك، محاولاً رسم خريطة توازن جديد داخل العهد العوني، وقواعد اشتباك جديدة برسم المرحلة المقبلة ومقتضياتها. ومن الواضح أن القوة الشيعية تحرص على توظيف وترجمة ما تعتبره انتصارها السياسي بعد انتخاب عون، من دون أن تقيم أي اعتبار لخطاب عون الإنشائي الذي يحاول لملمة الأشلاء اللبنانية تحت قبة البرلمان وألوان العلم والألوان البرتقالية وضجيج الشارع العوني – القواتي، يضاف إلى ذلك أن «حزب الله» لم يلحق بالخطاب التسووي الشعري للعهد الرئاسي كما تبلور في خطاب القسم وخطاب عيد الاستقلال، وكلاهما يركز على ضرورة تعزيز قدرات الجيش، ومن أن الجيش هو الجهة الوحيدة المعنية بحماية الحدود والمواطن اللبناني في وقت يصر «حزب الله» على رسم صورة لعهد ميشال عون الرئاسي تعكس نجاحه في فرض شروطه على جميع اللبنانيين.
باختصار، إنهم يريدون العهد الجديد صورة طبق الأصل عن تطلعات دولة «الولي الفقيه» والمشروع الإمبراطوري الإيراني في المنطقة، في الوقت الذي يحاول الرئيس اللبناني الجديد أن يلتحف بأعلامه القديمة والجديدة، لإتقاء عواصف اللهب في سوريا والعراق واليمن، على امتداد الطموحات الإيرانية الروسية، والغزل الروسي الجديد مع الخطاب الترامبي.
أما الحديث اليومي عن فيتوات بري ونصرالله والشروط الشيعية لتشكيل الحكومة، فلا يعدو كونه مفرقعات صغيرة في الورشة الصاروخية الكبرى على امتداد المنطقة.