يعطينا التاريخ البشري الكثير من القصص والأمثلة الواضحة التي تقول إن لكل حضارة قوية صعود وهبوط، قوة وانهيار، وهذا الأمر نعتبره نحن من سنن الحياة التي لا يستطيع أي إنسان أن يغيرها مهما حاول أن يبذل من جهود جبارة لتبديل هذه السنن. مع وصول الدول العظمى لمرحلة النشوة نتيقن حينها أن مرحلة الانهيار قريبة جداً، فلا شيء في الوجود يظل كما كان إلا وجه الله تعالى.
كلنا يتذكر قبل أعوام كيف انهار الاتحاد السوفيتي في دقائق معدودات، وكان يعتقد البعض أن سقوط الاتحاد في تلكم الفترة الزمنية فجائياً بينما هو نتاج طبيعي لشيخوخة منظومات دولية عالمية والذي نطلق عليه بتغير «سنن الحياة». يبدو أن ما يحدث في عالمنا المعاصر هو أقرب ما يكون لهذا الانهيار العالمي، فإن انتخاب ترامب وتداعيات هذه النتيجة الحتمية في أمريكا وبقية دول العالم ستكون حقيقة رغم كونها صادمة.
البعض اليوم يشبه ما يحدث للولايات المتحدة الأمريكية بأنها «بروسترويكا» أخرى على غرار ما حدث للاتحاد السوفيتي السابق، وأن كل ما يجري أمام أعيننا هو تغيير في النظام الدولي، ولربما يكون هذا التغيير يبدأ من الداخل الأمريكي وعلى يد الرئيس الأمريكي أيضاً كما حدث ذلك عن طريق «البروسترويكا» وعلى يد رئيس الاتحاد السوفيتي الأخير «ميخائيل غورباتشوف» حين أكد على ضرورة إصلاحات اقتصادية مهمة وبناء اقتصادي جديد، لكن النتيجة التي حصلت كانت صادمة للغاية عندما سقطت أكبر دولة في العالم خلال لحظات.
حين انهار الاتحاد السوفيتي قبل نحو 25 عاماً كان انهياره هادئاً للغاية على الرغم من خطورته المتوقعة، لكن وبسبب السياسات الخاطئة للولايات المتحدة الأمريكية سيكون انهيارها أخطر من المتوقع، فكل العالم رَبَطَ أو ربطتْ واشنطن مصيره في رقبتها ودولارها ونفطها واقتصادها وأسلحتها ووجودها ولهذا حين تسقط أمريكا فإن غالبية دول العالم ستسقط أو ستتأثر بشكل مباشر بسقوطها، ولهذا نحن نبهنا قبل أكثر من عام أو عامين على ضرورة أن نفك بعض ارتباطاتنا بالولايات المتحدة الأمريكية وأن نخرج لفضاءات سياسية ودبلوماسية متنوعة، خشية هذا ذلك اليوم الذي نخاف أن يقذفنا خارج الزمن، ولهذا نحن مازلنا نملك بارقة أمل في أن نوزع ثرواتنا وجهودنا ومقدراتنا ومصيرنا ومستقبلنا في أماكن متفرقة من العالم وعلى وجه الخصوص جهة الشرق الذي يبدو اليوم أكثر واقعية وأمناً من «جهة الغرب» التي وإن تبدو قوية على الورق لكنها مرشحة لزلازل سياسية وأمنية وعسكرية إذا استمر الوضع السياسي الدولي على ما هو عليه. وعلى العرب أن يتداركوا الأمر فيما تبقى من الوقت بدل الضائع قبل حدوث ما لا يحمد عقباه حتى يكونوا في الجهة «الصح».