بدايةً أود أن أوضح للإخوة والأخوات بأن هذا المقال هو مكمل لمقالٍ أول يحمل نفس العنوان، وقد نشرته صحيفة «الوطن» في عددها الصادر بتاريخ 9 مارس 2016.
إن أهم عنصر في المؤسسة هو رجل الإدارة، فإذا خلت المؤسسة من هذا العنصر، فإنها ستكون أشبه بفرقة أوركسترا بلا مايسترو. والمسؤول الذي لا يشرك فريق عمله بشكلٍ أو بآخر في صنع القرار أشبه بقائدٍ بلا كتيبة.
ونادراً ما تجد مسؤولاً تتملكه الشجاعة في سماع وتقدير الرأي الآخر، حتى وإن كان هو صاحب القرار النهائي. ومن المفترض أن يكون المسؤول ملماً ولو بالقليل من القوانين التي تخص عمله وكذلك أنظمة الخدمة المدنية، والدليل المالي الموحد، وهذا بلا شك سيخلق لدى المسؤول ثقافة إدارية متكاملة.
ويعد صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء الموقر، حفظه الله ورعاه، مثالاً يحتذى به في رحابة الصدر والانفتاح على المواطنين من كافة الفئات، والدليل على ذلك لقاءات سموه المستمرة مع أعضاء السلطة التشريعية والتجار وأسرة الصحافة والإعلام والمواطنين، وكذلك زيارات سموه الميدانية إلى المشاريع التي تنفذها الحكومة واهتمامه الشديد بكل شخصٍ يلتقي به.
لقد خطت البحرين على مر الزمن خطوات مهمة في عملية النهضة الشاملة حتى امتازت باقتصادٍ نشط وبنيةٍ تحتيةٍ قوية، ويمكنها أن تكون دوماً في الطليعة في ظل وجود أصحاب العقول النيرة حتى لو كانت الموارد محدودة. فالبحث عن العناصر الوطنية للقيام بأعمال إشرافية أو استشارية أو تدريبية والتقليل من الاستعانة بالعناصر الأجنبية هو الاستثمار الحقيقي. والحذر كل الحذر من إبراز شخصيات ذات فكر نخبوي أي التي ترفض وجود أشخاصٍ من مهنٍ أخرى أو فكر آخر، وتعمل على منع إدماجهم في منظومة الدولة، لأن ذلك يتعارض مع الطبيعة الاجتماعية والثقافية للبحرين.
ويجب ألا يتم الخلط بين الثقافات الثلاث، «الثقافة العامة والثقافة الإدارية وثقافة الانضباط»، وإن كانت هناك ثمة رابط بينها. ولا يمكن أن تؤتي الخطط والرؤى الخاصة بتطوير الأداء الحكومي ثمارها ما لم يتم تعزيز ثقافة الانضباط. وهناك فرقٌ بين أن تعمل وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة وبين أن تعمل وفق ما تشتهي أهواء الآخرين. كما أن هناك فرقٌ بين أن تكون مخلداً بمنصبك وبين أن تكون مخلداً بسمعتك.
تعتبر سنغافورة - التي زرتها في عام 2003 - مثالاً للدولة التي يتقيد فيها المواطنون بالقوانين والأنظمة، ويعملون بجد وإخلاص وبروحٍ إيجابية. وقد قيل لي إنها تطورت كثيراً منذ زيارتي حتى أصبحت ضمن أفضل الوجهات السياحية في العالم. وستلاحظ أيها القارئ الكريم أن السنغافوريين يرددون عبارة «MajulahSingapura» في نشيدهم الوطني، أي إلى الأمام يا سنغافورة. وأكرر ما قاله أحد الاقتصاديين: «لا يوجد لدينا في سنغافورة نفطٌ ولا غاز، ولكننا نتخذ الإنسان مصدراً للثروة».
وكانت سنغافورة - وهي أصغر مساحةً من البحرين - واقعة في دائرة صراعٍ واستقطابٍ بين المعسكرين الشرقي والغربي خلال الحرب الباردة، واستطاع رئيس الوزراء آنذاك «لي كوان يو» بدهاء إخراج بلاده من أي خطر محدق، حيث وضع لي كوان يو تقدم وازدهار سنغافورة والحيلولة دون التأثر بالعوامل الخارجية نصب عينيه.
وبالرغم من أنني أعتز كثيراً بما قدمته لبلادي، إلا أنني أشعر بأن لدي الكثير لأقدمه للبحرين، وأعتقد بل أجزم بأن أبناء بلدي لديهم نفس التطلع، وهذا التطلع لا يمكن أن يتحقق إلا بدعم ومساندة قيادتنا الرشيدة.