مع اقتراب كل قمة خليجية لقادة دول مجلس التعاون يرتفع سقف آمال وتطلعات الشعب الخليجي نحو إعادة طرح أو إحياء مشروع قيام اتحاد خليجي بين دول المجلس، والذي دعا إليه العاهل السعودي الراحل، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، في منتصف عام 2011، وهو العام الذي شهد اضطرابات أمنية في عدة دول عربية بينها البحرين.
وخيراً فعلت جمعية «تجمع الوحدة الوطنية» عندما أقامت خلال الأسبوع الحالي مؤتمر «الاتحاد الخليجي.. مستقبل ومصير» برعاية كريمة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وما خرج به من توصيات ومطالبات تدعو إلى الإسراع في تقديم مشروع الاتحاد الخليجي إلى قادة دول المجلس خلال اجتماع القمة المقرر إقامته في البحرين ديسمبر المقبل، وهذه المطالبات لا تشكل رغبة أطراف محددة بل هي رغبة شعبية عارمة في البحرين وفي دول مجلس التعاون بشكل عام. إن الرعاية الملكية السامية لهذا المؤتمر تؤكد الاهتمام الكبير لقيام اتحاد خليجي بين دول المجلس، وهو انعكاس لرغبة الشعب البحريني في الوحدة الخليجية التي تعد سداً منيعاً وحافظاً بعد الله تعالى لكل من تسول له نفسه العبث بأمن خليجنا العربي ودوله الشقيقة، لذلك فإن الاتحاد هو الخيار الاستراتيجي الحتمي لمواجهة التحديات المختلفة، وتعزيز قوة دولنا الخليجية الأمنية والاقتصادية والسياسية والثقافية في ظل تحولات المشهد الإقليمي والمطامع الخارجية. وتزامنت إقامة المؤتمر مع طرح جمعية «تجمع الوحدة الوطنية» لوثيقة التعاون الخليجي على موقعها الإلكتروني للحصول على تواقيع إلكترونية تؤكد الرغبة الشعبية في قيام الوحدة الخليجية، والتي بمجرد الإعلان عن طرحها، حصدت آلاف التواقيع من داخل وخارج البحرين وهو ما يعزز الرغبة الشعبية لأبناء دول الخليج العربي في قيام الاتحاد بين دولنا الشقيقة، وتلك التواقيع سترفع إلى قادة دول المجلس خلال اجتماع القمة في البحرين من أجل الإسراع في اتخاذ خطوات جادة أكثر نحو الاتحاد، وهو ما أكده رئيس الجمعية د.عبداللطيف آل محمود. نعلم أنه توجد عوائق لقيام الاتحاد سواء سياسية أو اقتصادية تتعلق بآلية هذا الاتحاد وماهيته، ونظام عمله بين الدول الخليجية، وتلك العوائق سيستغلها البعض في محاولات منهم لعدم قيام هذا الاتحاد بأي شكل من الأشكال، لأنه لا يخدم أجنداتهم، بل يعد الاتحاد تهديداً لتلك الأجندات الفئوية ذات الصبغة والتوجه غير الوطني، لخدمة من يتبعونهم خارج المنظومة الخليجية، فهل سنمكن هؤلاء من تحقيق مآربهم ونستسلم لأسباب تعيق قيام وحدتنا الخليجية؟! إذا كانت دول بحجم قارة مثل أوروبا تمكنت من ضم نفسها في اتحاد قوامه 28 دولة أوروبية، وكسروا بهذا الاتحاد كل الحواجز والعوائق، فلماذا لا تستطيع ست دول في الخليج العربي أن تشكل اتحاداً فيما بينها؟ خاصة وأن هذه الدول تجمعها لغة واحدة ودين واحد وصلات قربى ودم ونسب، وهي عوامل أساسية مهمة ينبغي أن تسهل وتسرع في قيام الاتحاد الخليجي، فأوروبا ليست بأفضل منا، بل هي قارة تعج بالاختلافات ورغم ذلك نجحت في تشكيل اتحادها الذي غدا من أقوى الاتحادات العالمية التي لا يستهان بها سياسياً واقتصادياً.
إن الأصل في قيام دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو الوحدة بين دول المجلس كما تضمن ذلك في ديباجة النظام الأساسي لمجلس التعاون، بل إن أول هدف أساسي لهذا النظام الأساسي هو الوحدة بين دول الخليج العربي حيث نصت المادة الرابعة من النظام الأساسي على التالي: «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها». من أجل ذلك، نرجو أن «تفعلها المنامة» وأن تشهد القمة الخليجية المقبلة بوادر إيجابية لولادة اتحاد دول مجلس التعاون، الذي سيكون مصدراً لقوة الخليج العربي في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية، وسينظر لنا العالم بعين مختلفة، فدول الخليج العربي تجمعها عوامل مشتركة تمثل أساساً قوياً لبنيان صلب ومتماسك لن يتمكن أحد بفضل الله من زعزعته، وإن حاولوا ذلك، فاتحادنا متى ما قام لن يكون مجرد اتحاد بين دول بل سيكون مثالاً يحتذي به الآخرون.