بدا العالم أجمعه مشغولاً بمسألة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بما فيه العالم العربي، حيث بدا كثير من مواطني الدول العربية أن شغلهم الشاغل استغلال هذه الفرصة للتعبير عن معاداتهم للسياسة الأمريكية في المنطقة، والتنديد بالخسائر التي سببتها أمريكا لدولهم.
من الواضح أن كثيراً من العرب وجدوا أن الفارق الوحيد بين المرشحين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب يكمن في أن كلينتون ومن خلال برنامجها الانتخابي كانت ترى أن سياسة أمريكا الخارجية يجب أن تتجه نحو التهدئة ومحاولة خلق توازنات مع بعض الدول، فيما ترامب كان شديد الصراحة ولربما بعبارة أكثر دقة أكثر وقاحة في مجاهرته بعدائه للعرب والمسلمين وتحديداً مواقفه من دول خليجية مثل السعودية، على سبيل المثال، وأن منهجيته تتجه نحو مزيد من الصراحة المتمثلة في استنزاف موارد الدول الخليجية والعربية خاصة الدول النفطية، لذا فالشاهد أن كليهما بالأصل ينطبق عليه المثل «عنبر أخو بلال»، و»ما مات إلا انبطح»، فكلينتون في سياستها كانت ستلعب مع العرب والمسلمين من تحت الطاولة بدبلوماسية ناعمة في العلن، تخفي وراءها الكثير من الأجندة والسياسات المعادية، فيما ترامب لم يجد حرجاً في مجاهرته باللعب معهم على المكشوف ومن فوق الطاولة، وفي النهاية الشعوب العربية تؤمن ولديها قناعة تامة بأن السياسة الأمريكية هي نفسها مع المنطقة العربية ولن تتغير حتى وإن تغيرت وجوه من يديرونها وتنوعت أحزابهم ما بين الديمقراطيين أو الجمهوريين، فهم يعتقدون أنها تبقى بيد الصهاينة الذين تغلغلوا داخل السياسة الأمريكية بمختلف إداراتها ومنظماتها حتى الحقوقية وداخل البيت الأبيض أيضاً والذين منهجيتهم تقوم على تقسيم الدول العربية وتغيير أنظمة حكمها، وذلك هو العنوان العريض للسياسة الأمريكية الحالية بالأصل.
ذاكرة الشعوب العربية لا تنسى أنه في كل مرحلة رئاسية لأمريكا تظهر جماعات متطرفة بزعم أنها تنتمي للإسلام والإسلام منها بريء، ولا تمثل فكر واتجاه المواطن العربي أو المسلم، وكانت أصابع الاتهام دائماً ما تتجه إلى رئيس تلك الحقبة في دعمهم ولو بالخفاء، لذا فالكثير من المعطيات تؤكد أن ترامب لن يكون سوى مكمل لهذه المنهجية السياسية، «فرق تسد»، واستمرار التوتر وبث الأزمات الأمنية في المنطقة العربية والصراعات الحزبية والمتطرفة، بل إن ترامب قد يكون مكملاً لمشوار من نوع آخر، فقد يظهر تنظيم جديد يسحب البساط من تنظيم الدولة «داعش»، أو يكون مفاجأة من العيار الثقيل بحيث تكون الهزة الأمنية هذه المرة بين شعوب المنطقة العربية نفسها في كل بلد من خلال تحريك الخلايا النائمة التي تخطط وتؤمن بسياسة أمريكا القادمة بتغيير أنظمة الحكم وجعلها على حد زعمهم «ديمقراطية وانتخابية وإيجاد ربيع عربي آخر»!
الحسنة الوحيدة لترامب أنه يجاهر بذلك ليلاً ونهاراً ويطلعنا منذ البداية على سياسة أمريكا الخارجية مع العرب والمسلمين، والعرب مقتنعون أن كل رئيس أمريكي يأتي بالأصل كي يعادي العرب والمسلمين، حتى وإن لم يصرح بذلك وهو مؤشر ينبغي على السفراء الأمريكيين في الدول العربية رصده وإيصاله وتوضيحه للرئاسة الأمريكية ودراسته، هذا إن كانوا مهتمين فعلاً بتغيير الصورة السلبية والانطباع السيئ عنهم لدى المواطنين العرب، الأمر الذي بات مع مرور الوقت يتحول إلى أمر عدائي يظهر في تظاهرات واعتصامات أمام السفارات الأمريكية في الدول العربية، وفقدان الثقة والمصداقية في أي موقف أمريكي ورفض عقد التحالفات معهم، بل والمطالبات الشعبية بقطع العلاقات الخليجية الأمريكية، والعربية الأمريكية، وطرد السفراء الأمريكيين ومقاطعة المنتجات الأمريكية، فالشعوب العربية شعوب مسالمة تؤمن بالسلام العالمي وتؤمن أيضاً أن أمريكا تعاديهم وتسعى لإبادتهم من خلال خلق صراعات وحروب يتجرعون ويلاتها وتستنزف مواردهم وأرواحهم واستقرار أوطانهم كما تسعى إلى تشويه صورة الإسلام الصحيحة ولصقها بالإرهاب والتطرف والعنف والهمجية والتخلف.
اللافت أيضاً ومن الممكن رصده من خلال هذه الانتخابات الرئاسية فيما يخص العرب، أن هناك اتجاهين ظهرا خلال فترة الانتخابات داخل دولنا العربية، ويمثلان اتجاهات الرأي العام وبعض القناعات، وقد يكون ذلك مؤشراً لا ينبغي تجاهله بل دراسته والتمعن فيه، فهناك اتجاهان يتعلقان بالجيل الناشئ في المنطقة الخليجية والعربية، أحدهما بدا واضحاً أنه متأثر بهذه الانتخابات الرئاسية ويطمح لاقتباس التجربة في بعض دولنا الخليجية والعربية وإنهاء نظام الحكم الملكي المتوارث، وهناك جيل آخر لايزال يحمد الله أن أنظمة الحكم في دولنا ملكية، وفي ذلك حكمة وأمن واستقرار لهم، بحيث تمنع وصول حمقى السياسة في دولنا إلى دفة القيادة والتلاعب بمصير الشعوب، حيث يجدون في النظام الملكي أبرز مغانم الديمقراطية الحكيمة التي تؤكد ما دعا إليه الإسلام في مبدأ طاعة ولي الأمر، وعدم الخروج عليه، عوضاً عن الديمقراطية المزعومة التي تستنزف طاقات الشعوب، خاصة تلك التي تعتبر غير مهيأة للتعامل مع الديمقراطية وتتسبب بكوارث بشرية واقتصادية وتقود الدول إلى هاوية الحروب والفوضى والفضائح السياسية.