أكاد أجزم أنه لو قدِّر للكاتب الفرنسي فيكتور هوغو أن يعود للحياة اليوم لألف جزءاً جديداً من روايته الشهيرة تحت اسم «البؤساء الجدد»، ووضع على الغلاف تحت العنوان بخط صغير عبارة «الشعب الإيراني المغلوب على أمره».
أقول هذا وقد كنت قبل أيام أتصفح بعض التقارير الصادرة عن جهات عالمية محايدة وتتحدث عن الأوضاع الاقتصادية في إيران، الدولة المصدرة للنفط والتي أنعم الله عليها بالكثير من الموارد الطبيعية والخيرات التي تكفي لتجعل شعبها يعيش في بحبوحة ورغد من العيش.
وفوجئت عندما وجدت أن المؤشر الاقتصادي العالمي الوحيد الذي تصدرته إيران لم يكن سوى «المؤشر العالمي للبؤس» والذي تتنافس فيه عالمياً وعلى مدار عدة سنوات مع دولة نفطية أخرى اسمها فنزويلا، ويتم احتساب هذا المؤشر بناء على عدة مؤشرات اقتصادية منها التضخم ومعدل البطالة.
لك أن تتخيل دولة لديها كل هذه الموارد الاقتصادية الكفيلة بأن يعيش سكانها أفضل عيشة وأن يكونوا الأكثر رفاهية وراحة ورغداً في المنطقة وبدلاً من ذلك نجد أن موقعها على المؤشر العالمي للبؤس يتراوح بين الأول والثاني بين سنة وأخرى! هل هذا معقول؟ وكيف وصلت الأمور لهذا الحد؟
باختصار لأن التنمية والإنسان لم تكن يوماً أولوية بالنسبة لطغمة الملالي الحاكمة في إيران، منذ انقلابهم على أول رئيس منتخب بعد سقوط الشاه وهو أبو الحسن بني صدر، كان كل اهتمامهم منصباً على عسكرة المجتمع الإيراني ورهن الاقتصاد للحرس الثوري الذي تم تأسيسه لمواجهة الشعب الإيراني إذا قرر إسقاط الملالي كما أسقط الشاه.
ولعل هذا ما يتجلى بشكل واضح في سلوكياتهم بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 والتي يزعمون، والزعم مطية الكذب، أنهم انتصروا فيها، فبدلاً من إطلاق مشروع تنموي شامل يعوض سنوات الحرب وينقل البلاد نقلة تنموية للأمام قاموا بحملة إعدامات وصلت إلى إعدام عشرات الألوف من المدنيين الأبرياء بين من اتهم أنه لم يقاتل كما يجب ومن اتهم بعدم الحماسة للحرب وغير ذلك من تهم سخيفة.
أما جرحى الحرب ومصابوها وخصوصاً من الجيش فتم إهمالهم ولعل من التقى أياً من المقعدين الإيرانيين الذين تسللوا إلى دول الخليج في الثمانينات بحثاً عن الرزق يعرف طبيعة أوضاعهم لأن نسبة كبيرة منهم كانت من جرحى ومقعدي الحرب من الجيش، بينما مصابو الحرس الثوري تم تكريمهم ومنحهم رواتب تقاعدية.
أما الحياة الاقتصادية فحدث ولا حرج، حيث تشير تقارير دولية مشهود بمصداقيتها أن معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية بلغ 55%، بينما تشير تقديرات بحثية أن معدل البطالة على المستوى الوطني سيتجاوز 20% على مدار الأعوام الخمسة المقبلة، في الوقت الذي تدفع الدولة الإيرانية، ممثلة بحرسها الإرهابي رواتب سخية لمئات الآلاف من الشيعة غير الإيرانيين لخوض معاركها العبثية والتوسعية في كل من العراق وسوريا واليمن وغيرها.
وإزاء فشل نظام الملالي في تنويع مصادر دخل الاقتصاد الإيراني حيث يعتمد بما يتجاوز 70% على النفط كمصدر رئيس للثروة، كما تعتمد مبيعات هذا النفط بنسبة 60% على الأسواق الغربية وذلك لتوفير العملة الصعبة، نستطيع أن نلاحظ حجم الضرر والضغط الذي يتعرض له المواطن الإيراني العادي عند كل اهتزاز لأسواق النفط العالمية.
وكان روحاني قد زعم في بداية فترته الرئاسية أنه سيحل مشكلة البطالة والتضخم وسعر العملة «وهي العوامل الثلاثة التي يتشكل منها مؤشر البؤس»، وتشير الأرقام التي تنشرها حكومته إلى تحسن جزئي في هذا المجال لكن هذه معلومة مخادعة، فما قام به روحاني في واقع الأمر هو الالتفاف على التضخم وسعر العملة من خلال تخفيض الدعم الحكومي للمواد الغذائية الأساسية التي يعتاش عليها الفقراء، وبالتالي أظهرت أرقام حكومته وكأنها جيدة بينما هو في الواقع زاد من معاناة القسم الأكبر من أبناء الشعب الإيراني الذين أصبحوا يدفعون ضعف سعر الخبز على سبيل المثال. ولك أن تتخيل أن هذا يحدث في بلد بثراء إيران من حيث النفط والموارد الطبيعية.
ويقول البروفيسور ستيف هانكي أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونزهوبكينز إن «الاقتصاد الإيراني الآن استقر في حالة من الركود التضخمي «ارتفاع التضخم وانخفاض معدل نمو إجمالي الناتج الوطني»، وإن تنبؤات مستويات مؤشر البؤس توحي بأن الإيرانيين سيظلون في وضع بائس لسنوات طويلة». ولكي أبسط لكم هذا الوصف، فهذا يعني أن الاقتصاد الإيراني، ومعه المواطن الإيراني حجزا إقامة دائمة في غرفة عناية مركزة للإصابات الخطيرة، ولكن في مستشفى لا يوجد فيه أطباء مهرة.
دعونا نقوم بمقارنة بسيطة هنا، فإيران تمتلك 10% من احتياطيات النفط المؤكدة بالعالم، وتنتج 4 ملايين برميل يومياً أكثر من نصفها يصدر إلى الخارج، بينما تقدر احتياطياتها من الغاز الطبيعي بنحو 29.61 تريليون متر مكعب وهو ما يشكل 15% من احتياطيات الغاز في العالم، ومثل هذه الثروة كفيلة بأن تجعل الشعب الإيراني في أفضل وضع من ناحية اقتصادية، لكن انظروا ماذا يقول المسؤولون الإيرانيون:
وزير الصناعة محمد رضا نعمت زاده يقول: «بشأن الازدهار الاقتصادي، إيران في المرتبة 106 من 129 بلداً، وهناك مؤشرات في العالم للتصنيف ضمن البلدان الصناعية الناشئة وحالياً لا يمكن أن نحققها» وقال إن نسبة النمو كانت دون 1% في 2015.
أما الرئيس «الصوَري» حسن روحاني فقال إن «هناك حاجة إلى ما بين 30 و50 مليار دولار من رؤوس الأموال الأجنبية لتحقيق تنمية تصل في نهاية المطاف لـ8% سنوياً». يذكر أن مدفوعات إيران لعصابة «حزب الله» الإرهابية في لبنان تتجاوز 15 مليار دولار سنوياً!
بينما يقول وزير الداخلية، عبدالرضا رحماني فضلي إن «الموارد الداخلية للبلاد غير كافية لتحقيق نمو من 8%. مع الموارد الحالية يمكن فقط تحقيق نسبة 1.5 إلى 3%». ومن المعروف أن الحرس الثوري يتحكم تحكماً كاملاً بقطاعات اقتصادية عريضة مثل التعدين والصناعة بل وتوجد حقول نفطية وغازية تذهب عائداتها كاملة للحرس الثوري لتمويل أنشطته الإرهابية في الداخل والخارج.
هذه أوضاع إيران. بالمقابل ألقِ نظرة حواليك عزيزي القارئ على أوضاع الناس في دول الخليج، من البحرين الأقل إنتاجاً للنفط إلى بقية الشقيقات الست، ماذا ترى؟
الحمد لله على نعمه وفضله وعلى قياداتنا الرشيدة التي وضعت ازدهار أوطانها ورفاه أبنائها هدفاً يومياً واستراتيجية طويلة الأمد تعمل كل مؤسسات الدولة لتنفيذها.
أما أنت يا أخي الشيعي العربي عموماً، ويا أخي الشيعي الخليجي خصوصاً، عندما يوسوس لك شيطان الملالي ويحدثك عن «جمهوري إسلامي إيران» ويدعوك للخيانة والعمالة ومعاداة دولتك وبلدك، فاسأل نفسك سؤالاً بسيطاً:
هل يمكن لمن لم ينصف أبناء شعبه ولا حماهم لا من برد ولا من جوع أن يحميك أنت لو جعت أو شعرت بالبرد لا سمح الله؟
هل يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه؟