قبل دقيقة من كتابة هذه السطور أعلنت واشنطن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الرئيس الـ45 لها، ولا ندري هل نبارك له أم نتحفظ على هذا الأمر لأسباب كلنا يعلمها، لكن ليعلم الجميع أن هذه هي الديمقراطية وهذه نتائجها.
العالم بات منقسماً بعد هذه اللحظة كما هو الشعب الأمريكي بين مؤيدٍ لترامب ومعارض له، كما هناك الكثير من الأسف الواضح من طرف بعض الدول التي كانت ترغب في فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وهذا الصوت ربما يمثله غالبية العرب والكثير من المسلمين الذين يعتقدون أن وجودهم وبقاءهم في حدوده الآمن لا يكون مع ترامب بل مع كلينتون، لأن الرئيس الجديد هو أحد وجوه اليمين المتطرف داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أعلنها في أكثر من موقف أنه لن يكون في خندق واحدٍ مع العرب، ولن يرغب في تكوين صداقات حقيقية مع بعض الدول العربية، تلكم الصداقات التي كانت جيدة للغاية في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، كما أن ترامب توعد بعدم إدخاله اللاجئين الذين أفرزتهم الحرب والصراعات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط لأمريكا، إضافة إلى تبنيه مشروع بناء السور الفاصل بين أمريكا والمكسيك، ناهيك عن تلميحه الواضح بعدائه الصريح لبكين. هذه الملفات وغيرها تعطينا بعض ملامح الفترة القادمة للحكم الأمريكي في العالم، وكيف أن المزاج الشعبي الأمريكي قد تغير بسبب سياسة الديمقراطيين في الخارج، كما أن فوز ترامب يرشدنا إلى تنامي اليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا بشكل لافت، كما كان ذلك قبل أشهر حين صوت البريطانيون على الخروج من الاتحاد الأوروبي. هذا المزاج الصلب الذي تكوَّن داخل الوسط الشعبي الغربي ربما يكون «نتيجة» تنامي الجماعات الإرهابية في أوروبا وتهديدها المباشر للمصالح الغربية في كل أنحاء العالم.
اليوم فاز ترامب، والعالم المؤيد له والمعارض له، باتوا جميعهم أمام الأمر الواقع، وعليه تتكون الأسئلة الآتية، كيف يجب التعامل مع المرحلة القادمة؟ وكيف يمكن أن تنسجم الدول المعارضة لسياسات ترامب معه؟ والسؤال الأهم عندنا هو، ماذا سيكون موقف الدول العربية من هذه المفاجأة الكبرى والصادمة لهم ولتطلعاتهم في منطقة الشرق الأوسط؟
ما يؤسف له على الصعيد العربي أننا ربطنا مصيرنا بمصير المرشح الأمريكي أياً كانت توجهاته السياسية، ولربما يشكل هذا الوعي عندنا إشكاليات غزيرة تتعلق بالحاضر وبوجودنا الممتد نحو المستقبل مع كل الأسف. صحيح حين يقال إن أمريكا دولة عظمى وهي الحليف القوي لأصدقائها، لكننا لو أسسنا لقوة عربية مستقلة منذ عقود مضت من الزمن العربي المهزوز، لما التفتنا إلى مذهب وتوجه الرئيس الأمريكي، لكننا وضعنا كل البيض في سلة العم سام والذي لا يمكن لنا أن نتنبأ عن مدى قابليته الحفاظ عليها حين تقع تحت رحمته. هذا درس للعرب قاطبة في أن يغيروا الكثير من علاقاتهم وصداقاتهم مع الدول الكبرى، وأن يشرعوا في بناء مشاريع تحالفات عربية عربية بعيدة عن الحلم الأمريكي ورغبته في صداقات تعتمد على مصالحه وعلى النفط وثرواتنا بالدرجة الأولى، سواء فاز بعدها ترامب أو لم يفز، فعلى أقل «التقادير» نكون في حلٍّ من أمرنا وفي المكان الصحيح الذي يجب أن نكون فيه حين يشتد صراع الإرادات في عالم أشبه بالغابة التي لا تعترف إلا بالقوي.