مشكلة بعض بني قومنا عندما ينظر إلى واقع منطقتنا وما يجري فيها وسياسة الدول وخصوصاً تركيا وإيران يستحضر تاريخ الخلافة العثمانية، وسياسة سلاطينها مع الأعداء، ثم يضع توقعاته وآماله في مجريات الأحداث الحالية على أساس هذا التاريخ، فيتوقع أن ما يحدث للمسلمين في العراق وسوريا سيدفع بتركيا إلى مواجهة مع إيران التي لم يبقَ أحد إلا وعلم أنها معتدية وباغية وتمارس الإبادة والقتل بحق المسلمين، وتزداد هذه التوقعات اليوم بعد اجتماع الكل في ساحة الموصل وحصول الاحتكاك بينهم، فيرون في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذلك السلطان الذي يمكن أن يحرك جيشه ويدخل تركيا في حرب فقط لنصرة المسلمين، كما كان يفعل خلفاء المسلمين منذ العهد الراشدي وحتى تفكك وانهيار الدولة الإسلامية بداية القرن الماضي، ربما عبارات أردوغان وحديثه عن الإسلام والمسلمين شجعت البعض ليفكر بهذه الطريقة، فيكون كمن شاهد فتاة وأعجبته فابتسمت أو نظرت إليه فتوهم أنها وقعت في غرامه.
من الطبيعي جداً أن يتحدث أردوغان بتلك العبارات وأن يتحدث عن مشاكل المسلمين، لأنه مسلم ويشعر بمآسي المسلمين لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سيحرك جيش تركيا من باب «الفزعة»، فالدول الحديثة تعمل وفق سياسة المصالح، ولو كانت «الفزعة» واردة في قاموس السياسة الحديثة لوجدنا ذلك من الدول العربية التي تشترك مع المضطهدين بروابط أكبر من تلك التي تشترك بها تركيا، فهناك رابطة الإسلام والدم والقومية والتداخل القبلي، لكن مع كل هذه المشتركات لم نجد أكثر من التصريحات هذا إن وجدت.
قد يكون أردوغان أفضل وأخلص من حكم تركيا الحديثة، والدليل ما قدمه لها ولشعبه، والنقلة الكبيرة التي أحدثها فيها لكن هذه الإنجازات لتركيا وليس لغيرها، ولأنه حريص على تركيا، ويريد أن يقدم لها المزيد فهو معني بالتخلص من أعدائها وبتحقيق مصالحها، لذا هو موجود اليوم في العراق وسوريا، فالسبب الحقيقي لهذا الوجود هي تركيا وشعبها وليس غيرهم، موجود هناك لأن أعداء تركيا تمتد أياديهم إلى تركيا من هناك ويريد قطعها قبل أن تمتد، وأعني حزب العمال الكردستاني العدو التقليدي لتركيا، موجود هناك لأن العالم يتقاسم النفوذ في العراق وسوريا كما تقاسم أملاك الدولة العثمانية قبل مائة سنة عندما كانوا يصفونها بالرجل المريض الذي يجب تقاسم أملاكه، وتركيا اليوم دولة كبيرة لا ترضى بأقل من تقاسم النفوذ مع الدول الكبرى، وعلى هذا الأساس فالمواجهة العسكرية بينها وبين إيران بعيدة وغير واردة أصلاً، فتركيا لديها الكثير لتخسره ومن لديه شيء يخسره لا يدخل نفسه في مغامرات، هذا بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية القائمة بين إيران وتركيا، كما أن المشكلة في العراق بالنسبة لتركيا ليست أكثر من نفوذ إيراني متعاظم يمتد إلى مناطق حددتها تركيا لنفوذها، وليس هناك اعتراض من تركيا على نفوذ إيراني في العراق، كما أن إيران نفسها لا تريد التورط في مواجهة عسكرية مع تركيا وهي تعرف قدرات تركيا العسكرية، أما أهل الأرض فلا حول ولا قوة لهم لكنهم اكتووا بنار الفرس ويحاولون جاهدين صرف النفوذ الفارسي الهمجي عنهم ولو بالرضى بنفوذ تركي، فعلى أقل تقدير يحفظون أرواحهم ودينهم وهويتهم وهي أمور تعمل إيران على سلبها.