شاهدة على العصر، أروي ذكريات اليوم لمن سيحمل السلاح من بعدي، فقد رأيت رأي العقل جياداً تسحب عرباتها مجنزرة بكلمات العداء، ودبابات مدججة بذخيرة الشائعة لتدك بها حصون الخليج العربي، وخفافيش الليل كانت قد أُطلقت أسراباً أسراباً لتظلل الشمس عن مطلعها. وبرفقة فرقاطاتها المسمومة، سفنٌ كانت قد أرخت حبالها وأطلقت لأشرعتها العنان تتسابق مع الريح في هياج لتحميل بضاعتها إلينا، مصدّرة الطائفية والفرقة والثورة و»الكاميكازية» البرية ليشهد الخليج أهازيج الـ «تورا تورا تورا» في كل مكان، وهو ما حدث في دور العبادة الخليجية وأماكن أخرى متفرقة. فأدركت من يومها أن طبول حربنا إعلامية، وأن حملة الأقلام هم حملة سلاح للذود عن بلدانهم، فإما أن ينهوا الخصم عن فعلته أو يصرعوه.. بكلمات.. وأدوات إعلامية.
شاهدة على العصر، سجلت اعتزارها وفخرها باتحاد خليجنا العربي في «رعد الشمال»، بمعية دول أخرى يوم أمس، واستثارت «عاصفة الحزم» حماستها لبلوغ مرحلة جديدة شعارها «قوة الخليج العربي»، وانقادت بكل جوارحها لإباء العسكريين في «أمن الخليج العربي 1»، ولكنها تقف محتارة حول ما إذا رافق تلك القوة العسكرية قوة إعلامية موازية..!! تحاصرها أسئلة ذلك العقل الفضولي الذي يسكن رأسها عندما يباغتها بقوله «بأي الذخائر دججتم أقلامكم؟»، ثم يسترسل بإلحاح «هل من مجنزرات أعدتها منصاتكم الإعلامية في كافة وسائلها التقليدية والحديثة؟»، ولأني مجرد شاهدة على العصر، تروي ذكرياتها، فلا أخفيكم أنني أتجرع سم الخيبة ومرارته في كل مرة يلح بها عليّ هذا العقل، كإلحاح طفل على شراء لعبته فإذا ما وُوجِه بالرفض، ضجّ بالصراخ والعويل.
شاهدة على العصر، قررت أن تكون عنصراً فاعلاً وترفع لواء الخليج العربي المشترك عالياً، وترفرف به في كل أنحاء المعمورة التي استهدفوا تخريبها بقواهم الناعمة، قررت أن تجعل من نعومتها سلاحاً فتاكاً، ولعنةً يتعوذ منها العدو في قيامه وقعوده. قررت ألّا تكون إعلامية من الطراز القديم، وأن تؤدي دورها الوطني المسؤول بكل ما أوتيت من قوة لتتسلح بقلمها وتقف به جنباً إلى جنب مع العسكريين من الدفاع والأمن، ليحارب كل منهم بأدواته.
تلك الشاهدة على العصر، وهي تترنم بأهاريج الإباء ودحر الأعداء تتطلع للتنسيق الخليجي المشترك في مجال الإعلام، ليس على مستوى وزارت الإعلام ومؤسساته الحكومية وحسب، وإنما باستهداف نخب إعلامية وطنية معنية بشؤون الخليج العربي مختارة من المؤسسات الإعلامية الخاصة كذلك، بما يغطي كافة المجالات، الإعداد والتقديم الإذاعي والتلفزيوني، الخبر الصحفي، المقال الصحفي، الإخراج الصحفي والتلفزيوني، ومجالات أخرى. تتطلع إلى أن تتكاتف دول الخليج العربية لتزويد هؤلاء الإعلاميين النخبة بأدوات الحرب الإعلامية، وتمكينهم منها من خلال التدريب والتوجيه والمتابعة والدعم، ولا يشترط أن يجري العمل على تحقيق هذا الهدف من خلال مظلة بلد خليجي واحد، بل يمكن توزيع مهمة التمرينات والتدريبات الإعلامية حسب مجال الاختصاص على دول الخليج العربي كلها، فتمرينات متقدمة لكتابة المقال وكيف يمكنه أن يصد الهجمات الشرسة على دولنا في الإمارات مثلاً، وللإعداد الإذاعي والتلفزيوني وخدمة قضايا المنطقة في عمان، ولتقديم البرامج بشكل مبتكر ومؤثر في الجمهور في الكويت، وهكذا.
الشاهدة على العصر، بعدما قررت أن تحمل لواء المسؤولية، التفتت حولها فوجدت الجهود المبذولة كبيرة، ولكنها متفرقة، فردية تقودها تقديرات شخصية غير مدروسة بما يكفي ربما، فلا تؤتي نتائجها المبتغاة وربما يكون لها مردود عسكي، في مشهد إعلامي تخبطي وفوضوي أحياناً، وجلّ ما تطمح إليه العمل الخليجي المشترك على وضع سياسة إعلامية موحدة، ولغة خطاب واضحة المعالم تعمم على كل المؤسسات الإعلامية الخليجية، توجه الجهود لدفتها الصحيحة.
* اختلاج النبض:
هل ستقوم «الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي» بتبني مشروع التدريب الإعلامي المشترك في كافة المجالات على غرار التمارين العسكرية المثمرة مؤخراً؟ هل ستتبوأ «مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك» مسؤولية الإنتاج الإعلامي المضاد لتكون قدوة المؤسسات الإعلامية وأنموذجها الخليجي الشامخ؟