عرف شعب البحرين بتمسكه بالأخلاق والقيم الإنسانية، وهي رصيدنا الذي نفتخر به بين الأمم، وعرفت مملكة البحرين بأنها وطن التسامح والسلام. فالإنسان البحريني ذو سمعة طيبة بين شعوب العالم، أينما ذهب عرف بذلك، وهذه السمعة الطيبة لم تأتِ من فراغ، ولكنها وليدة موروثات القيم الأخلاقية، التي تركها لنا الآباء والأجداد، والتي نستمدها من ثقافتنا العربية والإسلامية وعوامل أخرى، ورغم ما يطفو على السطح أحياناً من ظواهر سلوكية غريبة على مجتمعنا، فذلك نعتبره ناتجاً من الغزو الثقافي الذي تتعرض له كل الدول في العالم، الذي نحن لسنا بمعزل عنه، نتيجة سرعة وتطور وسائل التواصل الاجتماعي والمتغيرات السوسيولوجية في بنية المجتمعات البشرية المعاصرة، ولكن كل ذلك لا يمنعنا من طرح ظاهرة غريبة في مجتمعنا البحريني أخذت لها حيزاً في الآونة الأخيرة، وهي الجرائم والانحرافات السلوكية التي تحدث داخل الأسرة الواحدة أو في المجتمع بشكل عام.
ولعل أغرب ظاهرة حدثت هي الجريمة التي وقعت في مدينة حمد في الأسبوع الماضي، والتي تجرد فيها شاب بحريني يبلغ من العمر»23 عاماً» من مشاعره الإنسانية، وسدد لأخيه الذي يصغره في العمر بسنتين «21 عاماً» عدة طعنات قاتلة في منطقة الصدر، هذه الجريمة، تجعلنا نتساءل، هل هذا هو مجتمع البحرين الذي عرفناه؟ أين الرحمة والشفقة والمودة في العلاقة الأسرية؟
في الماضي متى ما حدثت جريمة قتل فإن المجتمع البحريني بأكمله كان يتفاعل معها وذلك لأنها غريبة عليه، وتظل الجريمة في ذاكرة الوطن لفترة زمنية، إلى أن يعرف أفراد المجتمع ماذا تكون عليها النهاية، أما الآن فلا تبقى الجريمة في ذاكرة الرأي العام إلا أياماً معدودة، وينتهي كل شيء أو قد لا يعطيها المجتمع أية أهمية. لنعلم أنه متى ما اهتزت الأخلاق والقيم الإنسانية في المجتمع فإنه يفقد الركن الأساس في تكوينه ويصبح معرضاً لكل المؤثرات الخارجية وفاقداً المناعة ضدها، خاصة في عالمنا المفتوح اليوم، يقول الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لهذا، فإن هذه الجريمة تدق ناقوس الخطر مهما كانت أسبابها ودوافعها، وتضع مؤسسات المجتمع التربوية والخاصة بالشباب أمام مسؤولياتها. إن التربية الخلقية أهم ما يعنى المجتمع به لبناء جيل المستقبل لأنها ستنشئ المواطن الصالح لنفسه وبلده، فتجعل منه إنساناً مؤمناً بالله، محسناً في عبادته ومعاملاته، محباً للغير كمحبته لنفسه.
لذا، ولأهمية هذه القضية، ولتعلقها بمكانة الأخلاق والقيم، لا بد من مراجعة البرامج والخطط التربوية والاجتماعية والثقافية وغيرها، التي وضعت لبناء شخصية الشباب من الجهات المختصة، خاصة أن القيم الأخلاقية تأتي في أولويات سلم القيم الاجتماعية، لما لها من دور بارز في تحديد معالم شخصية الشاب التي سوف تكون عليه في المستقبل، لم لا وقدوتنا في ذلك هو رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم معلم الأخلاق الأول، القائل «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقد أثنى عليه ربه بقوله سبحانه وتعالى «وإنك لعلى خلق عظيم». وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً»، رواه الترمذي.
لذا، فالمسؤولية هنا جماعية ولا يستثنى أحد منها، خاصة الأسرة والمدرسة ووزارة الشباب والرياضة والمؤسسات الدينية ووزارة الإعلام والمؤسسات غير الرسمية. لقد غاب دور الوالدين في الأسرة وأصبح انشغالهما بأمور ترفيهية ودنيوية أكثر مما هي تربوية، وأما المدرسة تأتي مسؤوليتها في المرتبة الثانية، حيث إن عليها مهمة التربية الأخلاقية لأنها مؤسسة تربية وتعليم، ووزارة التربية والتعليم ليست مقصرة في هذا الجانب، ولكنها بمفردها لا تستطيع أن تقوم بكل شيء، ولكن الذي نأمله منها أن تخطط لإدخال مادة «للتربية الأخلاقية» ضمن المنهج المدرسي، مثلما شرعت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً في الإعداد لإدخال مادة التربية الأخلاقية، ضمن مناهج ومقررات وزارة التربية والتعليم في العام المقبل 2017-2018، بغرض ترسيخ قيم التسامح والاحترام وروح الانتماء وغيرها من المعايير السلوكية الحميدة لدى طلبة المدارس الحكومية والخاصة.
خصوصية هذه الجريمة تكمن في أن القاتل والقتيل هما أخوان، وفي مرحلة الشباب، التي هي بدورها الثروة التي نحن بحاجة لها للمستقبل، ورغم ما توفره الدولة من إمكانيات وميزانية لرعاية الشباب، إلا أن هناك حلقة مفقودة وهي عدم وجود التنسيق بين الجهات المسؤولة عن رعاية الشباب، فكل جهة تعمل بمعزل عن الجهات الأخرى، وبذلك تصبح الجهود مبعثرة بسبب ضعف استراتيجية رعاية الشباب.
رغم كل ذلك، إلا أن مملكة البحرين وشبابها لايزالون هم من يفتخر بهم الوطن وهم عدة المستقبل، وخاصة أن من يمثلون الشباب هم أكثر من 30% من السكان، وذلك مما يضاعف من مسؤولية المجتمع تجاه الشباب وتوجيههم ورعايتهم خلقياً ونفسياً وعقلياً وجسمانياً، فهم العنصر الذي نراهن عليه، واستثمارنا الحقيقي هو في هؤلاء الشباب. حفظ الله البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل مكروه.