الصاروخ الباليستي الذي أطلقته ميليشيات الحوثي لاستهداف مكة المكرمة كان ضمن الخيارات الإيرانية في توجيه أتباعها المتمردين لارتكاب جرم لا تستطيع هي ارتكابه جهاراً نهاراً، بالرغم من تاريخها الأسود في استهداف مكة المكرمة وتحديداً بيت الله الحرام. الحوثيون عندما فشلت خطتهم في استهداف مكة المكرمة المحفوظة بفضل وقوة الله تعالى، ثم بقوات التحالف العربي الباسلة بقيادة السعودية، والتي تصدت ولله الحمد للصاروخ، كان لابد للحوثيين أن ينتهجوا خطة جديدة أو كما يقال «Plan B» والتي تتمثل في الإنكار التام والرفض الشديد لأي تهم ضدهم باستهداف مكة المكرمة، بل والعمل على قلب الصورة والكذب والتدليس، من خلال اتهام السعودية نفسها بأنها تؤلب مشاعر المسلمين ضد الحوثيين وإيران. وهذا بالفعل ما حدث، من خلال تصريحات الناطق باسم المتمردين محمد عبدالسلام وكذلك القيادي في الحركة علي العمراني، أو المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، حيث لوحظ في تصريحاتهم الصحافية الانسجام التام والتوافق بشأن استهداف مكة، ووفق ما ذكرته بشأن قلب الحقائق وقلب الصورة واتهام السعودية، فعلى سبيل المثال، الحوثيون أكدوا أن الصاروخ استهدف جدة وليس مكة في محاولة منهم لقلب الصور والحقائق والكذب. ولا أجد غرابة في ذلك، لأن الإنكار والتدليس وقلب الصورة، هي من سمات نظام الحكم في إيران الذي يدعم الحوثيين فلا غرابة في استفادة «التلميذ من استاذه»، ولا غرابة من التواء ذيل الأفعى مع رأسها في تناسق ورشاقة، فكليهما يمثلان جسماً واحداً وفيهما سم واحد. لكن ما فات هؤلاء أن كذبهم ليس طويل المدى، مثل صاروخهم الباليستي الإيراني، حيث إن صاروخ الحوثيين الذي تم إسقاطه لم يكن سوى على مسافة 65 كيلومتراً عن مكة التي تبعد قرابة 76 كم عن جدة، بمعنى آخر أن الصاروخ كان أقرب لاستهداف مكة أكثر من جدة، ثم إن إطلاق الصاروخ على أي هدف يكون من خلال ما يسمى بـ»الإحداثيات»، التي تحدد بدقة كبيرة مكان الهدف وهذا الأمر يفهمه العسكريون جيداً، والسؤال هنا: كيف يذهب صاروخ باتجاه جدة وإحداثياته تقول إنه متجه إلى مكة بدليل موقع تدميره من قبل قوات التحالف العربي؟! إن استهداف مكة المكرمة كان من أجل هدفين اثنين، الأول إن نجح الاستهداف – والحمد لله أنه لم ينجح – وخلف دماراً فإن إيران ستتهم السعودية مجدداً بعدم أهليتها في الدفاع والحفاظ على أمن الحرمين الشريفين، وسيعمل إعلامها وبقوة في ذلك السبيل، وسيكون استهداف مكة دليلا على صدق ما تدعيه إيران التي ستطالب بالتأكيد أن تشرف جهات أخرى على إدارة الحرمين غير السعودية، وهذا ما سعت إليه إيران ودندن عليه إعلامها من فترة طويلة، أما إذا فشل استهداف مكة - وهذا ما حدث فعلا - فإن النفي والتكذيب وقلب الحقائق هو السبيل إلى «النجاة» من غضب المسلمين على إيران وأتباعها الحوثيين، وهذا ما يحدث الآن على أرض الواقع، حيث ان الإعلام الحوثي والإيراني يسيران في درب التضليل الإعلامي. وبالعودة إلى التاريخ، فإن المسلمين لا ينسون ما قامت به إيران وتوابعها من شغب في مواسم الحج الماضية، وربما أشهرها، أحداث الحج عام 1987، وأحداث الحج في 1989، وأحداث نفق المعيصم عام 1990، إلى جانب العديد من الشعارات السياسية والمظاهرات التي تظهر كل عام تقريباً في موسم الحج، عدا موسم الحج الماضي الذي سار بسهولة ويسر وسلام، لأنه كان بدون «إيران» - لذلك ليس من الغرابة أبداً أن يستهدفوا مكة، فالتاريخ يشهد بأن إيران لا تعرف الاحترام وما تعنيه مكة المكرمة من مكانة في قلوب المسلمين، بل إن استهدافها هو استفزاز لمشاعر كل المسلمين. إن الحكومات المسلمة مطالبة بتعامل أكثر صرامة مع إيران، فلا توجد بقعة في العالم يتفق المسلمون على قدسيتها مثل مكة المكرمة، التي فيها المسجد الحرام، وأرى أن يجتمع المسلمون وبشكل طارئ تحت أي مسمى أو منظمة إسلامية مثل منظمة التعاون الإسلامي أو غيرها للتنديد بجرم ايران وأتباعها الحوثيين تجاه مكة المكرمة، واتخاذ العقوبات الرادعة ضدهم. إن الله تعالي حافظ على مكة المكرمة من كيد الأشرار حتى وإن كان التاريخ اشار إلى حدوث اعتداءات على مكة أو الهجوم عليها، ولكن في النهاية الله سبحانه هو الحافظ للحرمين الشريفين، وما لم ينجح فيه أبرهة الأشرم فلن يقدر عليه أحفاده من الحوثيين أو أحفاد كسرى المجوسي.