لم تكن تجربة مشاركتي في «الملتقى الخليجي الخامس للتخطيط الاستراتيجي» اعتيادية البتة، فقد شهدت جملة من الاستثنائيات، يأتي في مقدمها دوري المزدوج كإعلامية ومتحدثة ونائبة لمدير مجموعة مراقبة الخليج، ما جعلني على درجة من الإحاطة بجوانب مهمة ربما لم تتح للجميع. كما لا يمكنني أن أغفل عن الثقل غير المسبوق للملتقى والكامن في رفع مرئياته لقادة دول مجلس التعاون الخليجي قبل انعقاد قمتهم الـ»37» المقبلة في المنامة، تلك المرئيات التي أشارك مدير المجموعة وأمين عام الملتقى برصدها وبلورتها في شكلها النهائي المزمع تقديمه في وقت قريب جداً.
لقد حظي هذا الملتقى بمشاركات على مستوى عالٍ من الرصانة والجدية في آن، ورغم تنوع مشارب المتحدثين فكرياً وتباين وجهات نظرهم على طرفي نقيض في بعض الأحيان، إلا أن المزاج الخليجي الوحدوي لدى النخب المشاركة كان كفيلاً بإزالة كافة الحواجز، وبتلاقح الرؤى والأفكار على نحو إيجابي، متجاوزين كل خلافات الماضي ومشكلاته، عازمين بإرادة الرجل الواحد على ألا يسمحوا لمستقبل مجلس التعاون الخليجي إلا بمزيد من النجاح والتكاتف والوحدة، فمنهم من وقف على أساسات المجلس وبنيانه، ومنهم من شخص واقعه واستشرف مآلاته، فيما قدم أكثرهم الحلول تلو الحلول للخروج من بوتقة الأزمات الملحة التي تشهدها المنطقة وتلقي بظلالها المعتمة على الخليج العربي بغية أن يسير الخليج إلى الزوال، ولكن النخب الخليجية تقف لاحتمالات الانهيار بالمرصاد، وترفد صانع القرار السياسي بكافة المرئيات المتاحة في مجالات مختلفة وبرؤى خليجية متنوعة من أجل المرور على سراط النار بسلام، لتحقيق مستقبل أفضل للخليج العربي ورفاه أبنائه.
لعل أكثر ما كان يميز الملتقى، المواضيع الحساسة التي تم تداولها فيه، كفهم موقف عمان من حرب اليمن، والأسباب التي دعت لأن تطول الحرب في اليمن، وغياب الموقف الخليجي الموحد من إيران، فضلاً عن غياب التنمية السياسية بمفهومها الصحيح، وسياسة التحالفات في المنطقة وما تقدمه من رسائل للمجتمع الدولي، فضلاً عن صورة الخليج العربي في العالم وكيفية التعاطي معها، وغيرها من مواضيع قد يتحرج الرسميون في إدراجها.
إن ما شهدناه في الأسبوع الماضي من مزاج وحدوي وإخاء خليجي جمعنا بهذه النخب الخليجية، على هامش الملتقى، كان أكبر ترجمان على عمق ما تشهده الدول الخليجية من صلات وروابط فعلية تتعدى حدود الاتفاقات والبروتوكولات الرسمية، لتصب في عمق الحياة اليومية والعلاقات الإنسانية والوحدة في التاريخ والثقافة والإنجاز والمصير، فضلاً عن أن الدعم السخي للملتقى من قبل بعض النخب الخليجية، كان جديراً برفع القبعة أو العقال تقديراً لمعنى البذل في تحقيق الصالح العام وتحقيق ضمانات أمن واستقرار الخليج العربي.
* اختلاج النبض:
أن ترفع مرئيات «مجموعة مراقبة الخليج» لقادة دول مجلس التعاون فهو إنجاز جدير بالاحتفاء به خليجياً، وأن يتبنى أصحاب الجلالة والسمو القادة الخليجيون تلك المرئيات ويدرجوها على أجندة القمة، فهو جلّ ما نتطلع إليه في المرحلة القادمة، لضمان تحقيق الشراكة السياسية والتلاحم الشعبي مع قيادات الدول.. وهو ما نثق بأن قادة دولنا -حفظهم الله- حريصون عليه كل الحرص.