تعتبر رياضة المشي من أيسر وأبسط الطرق للحياة النشطة، ذلك لأنها لا تحتاج وقتاً طويلاً، ولا تتطلب مهارات بدنية عالية، ولا تكلف ممارسها مبالغ مالية طائلة فهي رياضة مجانية، وفي الوقت نفسه تحقق لممارسيها فوائد صحية وبدنية ونفسية جمة. فهل المشي، رياضة أم أسلوب حياة؟.. فالمشي في مجتمعنا هو موعد لتأدية تمارين وليس أسلوب حياة فنحن نذهب إلى العمل في السيارة، ونسحب فلوس من البنك ونحن أسيرو هذا الصندوق المعدني الذي سلبنا الرشاقة بل يصيبنا الضجر إذا ما تأخر عامل البرادة في جلب أشيائنا البسيطة حتى يضعها داخل التابوت المعدني الذي سلبنا صحتنا.
وبالرغم من أن الدولة لم تدخر جهداً في إقامة العديد من مضامير المشي والحدائق الصغيرة تخصص بها أماكن للمشي، بالإضافة إلى دعوات المتخصصين في الصحة إلى ضرورة ممارسة النشاط البدني والرياضة، إلا ان هذه الدعوات لا تكفي وحدها لإحداث التغيير المطلوب، فلابد من وجود البيئة المحفزة للنشاط البدني والمشي لأن الوزن المناسب لا يقي صاحبه من المرض فقط، ولكنه أسلوب حياة صحية وتعايش يجعلك تشعر كما لو كنت طائراً حراً تستطيع أن تتنفس دون صعوبة.
فقد زارتنا أسرة بريطانية وقد كان لأفرادها انطباعاً جديراً بالملاحظة أثناء زيارتهم. فقد أبدوا إعجابهم بالتطور العمراني في البحرين وجودة الخدمات ومستوى البنية التحتية، لكنهم قالوا لنا توجد مشكلة يجب الانتباه لها حيث لوحظ أن وسيلة المواصلات الرئيسة هي السيارة أو التاكسي، ولكني استنكرت قولهم ذلك، فالجهد المبذول من قبل وزارة النقل كبير خاصة في تحديث شبكة النقل وهو الأمر الذي لامسته بنفسي من خلال الباصات الحديثة التي أصبحت تجول أغلب شوارع البحرين.
كما أبدت الأسرة البريطانية ملاحظة بأنه يتعذر على أي شخص الذهاب مشياً لأي مكان في ممشى آمن، وقد استغربت في البداية واعتبرته انتقاداً في غير محله ولكنني وقفت وقفة تأمل، وقررت أن أخوض التجربة بنفسي.. وفعلاً حاولت أن أذهب إلى مقصدي للأماكن القريبة مشياً، وكم كانت دهشتي عندما وجدت ملاحظتهم في محلها، ففوجئت بعد مسافة بأن الرصيف الذي أمشي عليه انتهى واضطررت إلى المشي على طريق غير ممهد، وكان علي أن أعبر الشارع، وهالني أن أماكن العبور الآمنة إن وجدت فهي بعيدة عن بعضها بشكل يصعب معه أن تلجأ لها، وهنا اكتشفت أن بيئتنا غير مصممة للمشاة، وأننا نعيش في بيئة مصممة للسيارات فقط.
ولكن هذا ليس حائلاً دون أن نتغير نحن وننظر للأمر بشكل مختلف، فلو سادت ثقافة الراجلين وراكبي الدراجات فستقوم الدولة بالتعامل معها على أنها حالة ملحة، ولكم في المناطق التي يغلب عليها الأجانب أسوة فستجدونهم يتجولون ويجرون على أقدامهم ولم يمنعهم الحر أو البرد عكس حالنا، حيث نشعر كما لو كانت أصابتنا الشيخوخة وأصبحنا أسيري الترف. وإذا كانت حجتنا أن الطقس الحار في بلادنا يمنعنا فهناك مثال حي أمامنا ينبهنا إلى أن العيب فينا وليس في طقس البلاد، ويجب أن نغير هذا المفهوم بدءاً منا حتى يتم تغيير ثقافة المجتمع ككل. إن بعض الدول التي لا ترى الشمس إلا أسابيع معدودة تجد لديهم ثقافة التنقل عبر الدراجات والمشي، سائدة بين الصغير والكبير، وقد أخبرتني صديقة لي أنه خلال زيارتها لألمانيا وجدت الفندق الذي تقيم فيه لديه دراجات للنزلاء حتى يذهبوا بها إلى أي وجهة يريدونها، ودولة أخرى مثل كندا تقيم الأنفاق للتنقل هرباً من الصقيع القاتل.
ولذا، لا يوجد مستحيل فيجب أن يتم التخطيط لتقام الطرق للراجلين والدراجات حتي يتمكن المواطن والمقيم من قضاء بعض حاجاته القريبة مشياً دون الحاجة إلى استخدام السيارة، ويتمكن الطالب من الذهاب إلى مدرسته مشياً دون مخاطر، ويمكن أن تظلل هذه الطرق ويمكن استخدام هذه المظلات بحيث تكون مزودة بخلايا للطاقة الشمسية فنضرب عصفورين بحجر واحد، ننشر ثقافة المشي، ونجد تمويلاً لهذه الطرق بالمظلات، التي تكون مصدراً من مصادر الطاقة النظيفة، ويمكن استغلال هذه الطرق في عمل يافطات إعلانية تمول إنشاءها. إن الكل يجب أن يتكاتف حتى ننشر ثقافة المشي ونتغلب على حالنا فقد أصبح أكثر من 30 ? من المجتمع يعاني من السمنة المفرطة التي تصيبنا بأمراض القلب والسكر والضغط وغيرهم، ولا أرى سبيلاً للنجاة ومكافحة الأمراض المزمنة المتعلقة بالنمط المعيشي إلا بنشر ثقافة المشي، وجعل التنقل المعتمد على الجهد البدني في مملكتنا خياراً متاحاً.