لقد أسعدني مقال الكاتب المحترم فيصل الشيخ المنشور في جريدة «الوطن» البحرينية بعنوان «جلالة الملك ومصر في قلبه»، وهو مقال هادف ويعبر عن حس وطني بامتياز، وأنا أضم صوتي لكل كلمة في ذلك المقال، وأضيف أن مصر في قلب جلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة، وهو بدوره في قلب مصر وفي قلب كل مصري. وأنا عضو في جمعية الصداقة المصرية البحرينية قبل أن تطأ أقدامي أرض البحرين الشقيقة، كذلك زميلي في الجمعية العضو المؤسس لها المستشار الدكتور مجدي المتولي نائب رئيس مجلس الدولة، وهو الذي فكر في الجمعية، وأنشأها قبل أن تطأ قدماه أرض البحرين، التي عاش فيها بضع سنين، ثم بعد ذلك عاد إلى أرض الوطن معززاً مكرماً. أقول إن كل مصري يحب البحرين لما يتميز به شعبها من دماثة خلق وتواضع ومودة واعتدال مزاج وتفكير.
ولعل إنشاء جمعية الصداقة المصرية البحرينية منذ منتصف الثمانينات من القرن العشرين أحد الشواهد على ذلك. كما إن مبادرة مصر في الاعتراف باستقلال البحرين وإنشاء تمثيل دبلوماسي مقيم على الفور شاهد آخر. وتحركات القيادة المصرية عبر العصور في مساندة البحرين وشعبها كلما تفوهت إيران بكلمات ضد البحرين وسيادتها واستقلالها تحت دعاوى تاريخية مشوهة وغير دقيقة وهي دعاوى ذات طبيعة استعمارية شاهد ثالث. ولهذا لا عجب أن تكون البحرين وجلالة الملك حمد من السباقين لمساندة مصر كلما استدعى الأمر. وأسوق مثالاً على ذلك، موقفه من ثورة 30 يونيه، التي أعادت المسيرة المصرية للطريق الصحيح، بما يتماشى مع هوية مصر العربية الصادقة والإسلامية المعتدلة.
ويمكن أن نجد جذور العلاقات المصرية البحرينية في حقيقتين، ما كتبه المؤرخ اليوناني المشهور هيرودوت عن مصر وحضارتها الفرعونية، وعن البحرين وحضارة أوال، وما تم من تواصل بين الحضارتين. كما إن مبعوثي النبي محمد عليه الصلاة والسلام إلى البحرين ومصر لقيا تجاوباً من حاكمي كلا البلدين ومن شعبيهما استجابة لدعوة نبي الإسلام، بخلاف المبعوثين إلى دول أخرى فمزق أحدهم رسالة النبي عليه الصلاة والسلام.
ولقد لمست من شعب البحرين ومثقفيه وعلمائه في مجالات عديدة تقديراً خاصاً لمصر وشعبها، وذكريات طيبة لسنوات دراسة قضاها هؤلاء في حضن وقلب الشعب المصري، وعلي تراب مصر المقدسة، واستمتع بالنظر للتاريخ العريق ونهر النيل العظيم، وردد كلمات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وأغاني أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وموسيقي محمد عبد الوهاب، وقصائد أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وأدب وفكر طه حسين، وعباس محمود العقاد، وتوفيق الحكيم وغيرهم. وتعلم كثير منهم في الأزهر الشريف، الذي رعا اللغة العربية والإسلام الحنيف للمسلمين جميعاً على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم بلا تمييز. ولا ننسى أن تكريماً خاصاً لطه حسين ولأحمد شوقي جاء من البحرين وكذلك لجمال عبد الناصر، خاصة من أهل المحرق، أصحاب الحس النابض بالعروبة. وهذا يدل على أصالة الشعب البحريني كافة، وتقديره لمن يقف بجانبه ويؤيد قضاياه الوطنية.
ومصر بدورها لم تقصر في حق شعب البحرين أو غيره من الشعوب العربية في مد يد التعاون في مجالات التعليم والصحة وغيرها، بنشر المدارس وإرسال البعثات والمدرسين وتقديم المنح الدراسية لأنها تنظر لذلك كواجب وطني وقومي عليها تجاه أشقائها العرب، في ظروفهم الصعبة، قبل الطفرة النفطية. وكثير من القادة العرب وقفوا بجانب مصر في أزماتها وأشير لموقف الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، في استخدام النفط كسلاح في المعركة عام 1973 بل وموقف السعودية بعد هزيمة يونيو 1967 في قمة الخرطوم بالمبادرة برصد دعم للدول التي خاضت الحرب آنذاك، وهي مصر وسوريا والأردن وشارك في ذلك قادة السعودية والكويت وليبيا كل حسب ظروفه.
أما مواقف العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، فلن ينساها أي مصري خاصة أثناء عودته من رحلة استجمام في المملكة المغربية فأصر على التوقف بطائرته في مطار القاهرة للالتقاء بالرئيس المصري والإعراب عن تأييده لمصر وثورة 30 يونيه 2013. هذه اللفتة الكريمة يقدرها الشعب المصري أيما تقدير فهي تفوق قيمتها لدى شعب مصر الوفي لأمته العربية الآلاف المؤلفة من مليارات الدولارات التي هي زائلة. أما المحبة من القلب فهي ثابتة ودائمة. طبعاً مواقف قيادات سعودية وإماراتية وكويتية وعمانية وقطرية عديدة سجلها التاريخ العربي والعلاقات المصرية العربية. تلك بعض من لفتات وشواهد حول الرابطة المصرية البحرينية القوية.. حفظ الله البحرين ومصر وسائر بلاد العرب والمسلمين. يتبع.

* خبير في الدراسات الإستراتيجية الدولية