طالعتنا الصحف المحلية بتاريخ 3 أكتوبر الماضي، بخبر مفاده، قيام مختصين في وزارة التربية والتعليم، بإنذار مدرسة الشويفات الخاصة الدولية، بشأن تدريسها لأحد كتب مادة الاجتماعيات باللغة الإنجليزية لطلبة الصف التاسع وتضمنه موضوعات تتعارض مع السياسة العامة لمملكة البحرين.
هذا الخبر طالعتنا به أيضاً قبلها الصحف الإماراتية والصحف الأردنية وقد قامت وزارتا التربية والتعليم في الإمارات العربية المتحدة والأردن بنفس الإجراءات كما بينت إدارة المدرسة بالأردن عزمها مقاضاة مؤسسة «أكسفورد» البريطانية، معتبرة ما قامت به إساءة شخصية، قبل أن يكون إساءة للمدرسة، لوصفها الفلسطينيين بـ«الإرهابيين».
في 16 سبتمبر الماضي، سحبت الجزائر أيضاً أحد كتب مادة الجغرافيا بعد اكتشاف خطأ في إحدى الخرائط عندما تم استبدال فلسطين بإسرائيل، أما في ماليزيا، وفي عام 2013، فقد قامت الحكومة الإندونيسية بسحب كتاب مدرسي يدرس في المرحلة الابتدائية لاحتوائه على قصة تعليمية ذات محتوى غير أخلاقي يتنافى مع التعاليم والأخلاق الإسلامية.
كل هذه الأخبار تبين ما تصدره لنا مؤسسات التعليم الدولية، من كتب دراسية تحمل رسائل تعليمية معادية للمسلمين والعرب وتزور تاريخهم بل وتقلب الحقائق، فأحد هذه الكتب يصف دفاع الفلسطينيين عن أرضهم بـ«الإرهاب»، وتغيير مفاهيم الإرهاب وقلب تعريفه الحقيقي، وهو جرس إنذار لمن هو حريص على سلامة التعليم في الوطن العربي بأهمية تدارك هذه الحرب الخفية التي تتم في دولنا العربية، وتغرس في عقول الأجيال الناشئة الكثير من المعلومات المغلوطة، لترسخ لديهم قناعات خاطئة عن دولهم، ومن ثم يكبرون وينشؤون عليها بل ويؤمنون ويدافعون عن مبادئها وأسسها باسم التعليم.
في عام 2014، نشرت مجلة «دراسات» الدورية التي تصدر عن مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة بمملكة البحرين، في عددها الأول، دراسة كشفت خلالها صورة العربي في المناهج الدراسية الإيرانية، والتي يتم ترسيخها لدى الطالب الإيراني، وكذلك لدى دول الغرب، مبينة أن كتب المرحلة الابتدائية في إيران تتداول حياة العربي في «صور البدو وسكان الصحراء القاحلة المرتبطة بالخيمة والإبل»، وفي الكتب الإعدادية والثانوية رسخت العربي بأنه «متخلف وتبين احتكامه للسيف لحل الخلافات وعبادة الأصنام ووأد البنات ومعاقرة الخمر والميسر وقطع الطريق وأن العرب لا يملكون أي مقومات للحضارة وأنهم بالأصل أعراب وأن الإيرانيين رمز الخير والعرب رمز الشر»، وكل ذلك يهدف إلى إرباك فكر الطالب الإيراني وجعله جاهلاً بحقيقة العالم العربي بشكل متعمد، فينشأ معادياً للعروبة وفي عقله الباطن تترسخ لديه هذه الصور التي من الصعب جداً عندما يكبر تغييرها.
كل هذه الدلائل ما هي إلا جرائم تعليمية تتم خفية وفق منهجية مدروسة من هؤلاء المعادين للإسلام والعروبة والذين وصل اختراقهم بعد أن نجحوا في اختراق المؤسسات القانونية ومؤسسات حقوق الإنسان لتحويلها إلى دكاكين لهم ومن ثم إلى المؤسسات التعليمية الدولية التي باتت اليوم تصدر لنا كتبها وتنشئ على أراضينا العربية مدارسها الدولية بل وتتعاقد مع مدارسنا الخاصة المحلية.
وبالمناسبة هذه من أخطر الأسلحة وأكثرها فتكاً لأنها تخاطب العقول والقناعات للأجيال القادمة، فموجة الأخبار الأخيرة الحاصلة تعتبر جرس إنذار علينا الانتباه له، فالأمن الفكري والثقافي والتعليمي لا يقل أهمية عن أي نوع من أنواع الأمن الأخرى، فأنت هنا تخاطب عقول الأجيال الناشئة وتغرس فيهم المبادئ والقيم وهذا شيء حساس وخطير، ففي المستقبل القريب أنت لن تجادل أعداءك عن تاريخك وثقافتك بل أبناء وطنك الذين تشربوا هذه المناهج وغرست في عقولهم منذ الصغر، وكما هو معلوم فإن «العلم في الصغر كالنقش على الحجر».
هذه العولمة التعليمية المسيئة لا بد من تداركها ومحاولة علاجها، والعلاج هنا نراه يأتي وفق خطوات مهمة وهي كالتالي:
* تشريع قوانين أكثر تشدداً وصرامة مع المدارس الخاصة والشركات التعليمية التي تتعامل معها وتشديد الرقابة أكثر على مضمون الكتب المستوردة من الخارج.
* إيجاد استراتيجية تعليمية موحدة أقلها بين دول الخليج العربي كما حصل في فترة الثمانينات وبداية التسعينات حينما كانت الكتب الدراسية التي تدرس في مدارس الدول الخليجية الحكومية موحدة وعليها شعارات الوحدة الخليجية «لا ينكر أجيال تلك المراحل أن هذه الشعارات البسيطة غرست فيهم الكثير من الحمية الخليجية وقيم الوحدة والتعاون»، بحيث تحمل قيم المواطنة القومية والتربية الإسلامية.
* إنشاء مؤسسات تعليم عربية دولية تختص بالكتب الدراسية أو دعم الموجودة وتزويدها باستراتيجية التعليم الموحدة لتحرص على طرح الكتب الدراسية التي تتماشى مع قيمنا ومناهجنا وتاريخنا، ولا تحيد عنهم، وإلزام المدارس الدولية الخاصة بدولنا بالتعامل معها أقله في بعض المواد الدراسية وبالأخص في الاجتماعيات والجغرافيا واللغة الإنجليزية.