قبل 23 يوماً من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تتنافس فيها المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ومنافسها الملياردير الجمهوري دونالد ترامب، الغارق في فضائحه الجنسية، التي تطارده من الماضي، يبدو الصراع محسوماً لصالح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، حيث المؤشرات والاستطلاعات تصب في صالح كلينتون، بعدما أظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسستا «رويترز» و»إبسوس»، في الفترة من 7 إلى 13 أكتوبر الحالي، تقدم كلينتون على ترامب بنحو 7 نقاط، وحصولها على 44% من أصوات الناخبين، مقابل 37% لصالح ترامب المشتت، فيما حصل مرشح الحزب «التحرري» جاري جونسون على أصوات 6% من الناخبين، تلته مرشحة حزب «الخضر» جيل ستاين بحصولها على تأييد 2%.
لكن ما أجمع عليه المحللون والمراقبون ويبدو جلياً هو الخطاب السياسي بين المرشحين، الذي تدنى إلى الحضيض، وارتباطه بالعنصرية، والفضائح والتعبيرات الجنسية، والأساليب البذيئة، إضافة إلى معاداة الأجانب والأقليات، وربما وصل الأمر في بعض تصريحات المرشحين المتنافسين إلى التحريض على العنف والقتل، وهو ما يؤكد أن الحملة الرئاسية الحالية لا تشبه أي حملة قبلها.
وقد تتسبب الفضائح الجنسية لترامب المنهار، في تعبيد الطريق لكلينتون نحو الرئاسة بأقل مجهود، بعدما تخلى عنه العشرات من المسؤولين الجمهوريين، ليس أولهم رئيس مجلس النواب الأمريكي بول راين، ولن يكون آخرهم المرشح لمنصب نائب الرئيس مايك بنس، مروراً بالمرشح الرئاسي الجمهوري السابق والسيناتور الحالي جون ماكين، ووزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس، أضف إلى ذلك توقيع أكثر من 70 من أعضاء الحزب خطاباً موجهاً إلى اللجنة الوطنية بالحزب، يطالبون فيه بوقف الدعم عن حملة ترامب. وربما هذا ما دفع الجمهوريين إلى التجهيز لمعركة انتخابات الكونغرس، بمجلسيه الشيوخ والنواب، في محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها، والتركيز في المرحلة المتبقية من الحملة الانتخابية على حماية الغالبية التي يتمتع بها الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ، بعدما شعروا بخطورة موقف ترامب، والفوز المحتمل لخصمتهم الديمقراطية، ومن ثم لم يتبقَ للجمهوريين سوى انتخابات الكونغرس، كي يضمنوا السيطرة على الموقف في مجابهة خصومهم الديمقراطيين، وتلك كانت أحد التحليلات التي فسرت سر إسراع الأغلبية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب من أجل إقرار قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب – جاستا»، من خلال إسقاط الفيتو الرئاسي لباراك أوباما، وتجاوزه، باعتبار أن الأمر يتعلق بحسابات انتخابية، وكسب تعاطف ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر ومحاولة لدغدغة مشاعر الأمريكيين قبل الاقتراع المرتقب في 8 نوفمبر المقبل.
وبقراءة متأنية لمسيرة المنافسة على مقعد الرئاسة، يبدو أن نساء أمريكا لسن فقط رقماً صعباً في الاقتراع المرتقب، بل يتجاوزن ذلك التعبير، كي يصبحن «بيضة القبان»، وربما يكون لهن الكلمة الفصل والقرار الحاسم، في حسم الانتخابات، خاصة بعد تورط المرشح الجمهوري في سلسلة من الفضائح والتصريحات الجنسية، الأمر الذي أدى إلى تهاوي حملة ترامب المتخبط، وحدوث انشقاقات في الحزب الجمهوري، وبالتالي لن تتوانى سيدات أمريكا عن التصويت لصالح كلينتون بعدما شعرن أن ترامب رجل يبدو مثل الذئب، فهو يتعامل مع الأنثى على أنها مجرد سلعة، وتنم التصريحات المسربة عن تحقير لآدمية المرأة الأمريكية. ولسان حالهن يقول، «كيف برجل هكذا سلوكه وهكذا تفكيره من الممكن أن يصبح سيداً للبيت الأبيض؟!». كوارث ترامب لم تتوقف عند الفضائح الجنسية، والتصريحات البذيئة والعنصرية فحسب، بل أثارت آراؤه بشأن منع المسلمين من دخول أمريكا جدلاً كبيراً في الداخل الأمريكي وفي الخارج أيضاً، وهو ما دفع مجلة «نيوزويك» الأمريكية أن تنشر الخسائر الاقتصادية التي ستتكبدها أمريكا جراء هذا القرار الأهوج، حيث نشرت تقريراً للباحث في مجلس العلاقات الخارجية إدوارد ألدين ذكر فيه أن قرار منع المسلمين من دخول البلاد، يحرم الأخيرة من نحو 66 مليار دولار سنوياً. الأمر الآخر الذي يقف أيضاً حجر عثرة ضد تقدم ترامب ما تناولته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية والتي تختص بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة بشأن ما يتعلق بأطماع واشنطن في ثروات الشرق الأوسط، وما تحدث عنه المرشح الجمهوري حول اعتزامه سرقة نفط المنطقة، خاصة نفط العراق، وهو الأمر الذي جاهر به علانية، وفي أكثر من مناسبة.
* وقفة:
إذا كانت فضائح وتصريحات ترامب تعبد الطريق لكلينتون نحو رئاسة أمريكا، فإن هذا لا يعني أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، الأحق والأقوى، والأجدر برئاسة البلاد، ولا يعني ذلك أيضاً بأي حال من الأحوال، أن تاريخ عائلة كلينتون ناصع البياض، واسألوا مونيكا لوينسكي و«ويكيليكس»!! ويبدو أن المسلمين والعرب سيكون موقفهم من الانتخابات الرئاسية الأمريكية أمام خيارين أحلاهما مر، يعززه مبدأ مفاده «شيطان تعرفه خير من شيطان لا تعرفه»!!