- أبي هل وفيتك حقك؟ لا أعلم لماذا أحس أن أبي الحبيب رحمه الله ما زال يعيش بيننا؟ لا أعلم لماذا ألمح طيفه ليل نهار.. وأحس به يكلمني في كل آن.. وكلما مررت على مساحة بيتنا الذي ترعرعنا بين جنباته.. تذكرت حديثه الحاني وطيبة قلبه وانتظاره لي كل ليلة.. رحمك الله يا أبي منذ وفاتك ما زالت ذاكرتي تسرح في طيفك وكرمك.. أبي اعذرني.. كنت أطمح أن أبذل المزيد لإسعادك ورعايتك والبر بك.. كنت أطمح أن أعيش بين أحضانك سنوات أخرى أرتوي من بحر حبك وكرمك.. ولأنني كما يقولون «آخر العنقود».. فقد كانت الأيام الأخيرة من حياتك بالنسبة لي فترة عصيبة طوت صفحات الحب في جنبات البيت العود، وبخاصة بعد رحيل والدتي الحنون رحمها الله.. نعم ما زلت أتذكرك وأتذكر فضلك علي ـ من بعد فضل الله تعالى ـ فكل خطوات حياتي هي من بركات الله وبركاتك التي سأظل أذكرها أبدا ما حييت.. أبي اعذرني فسيرتك العطرة التي خطت حروفها في كل مكان في أرجاء الوطن، وعطاؤك الخصب الذي ارتوت منه بلد المحبة.. تشهد لك دوما بكل خير.. فمن كانت بصماته في التعليم، فالأجيال تتذكر وقفاته الشامخة التي علمتهم الكثير ولن تنساها.. رحمك الله يا أبي وجمعنا وإياك ووالدتي الحبيبة وذرياتنا وأحبابنا ومحبينا في الفردوس الأعلى.. اللهم آمين.
- اعذرني: اعذرني يا من أحببتني من قلبك.. يا من حملت معك رسائل الشوق لأيام ظلت ذكراها في الأذهان.. اعذرني فلم تعد الأيام تحمل في جعبتها تك الأحضان الدافئة العاشقة لأطياف قلبك.. اعذرني فقد مرت سحائب المحبة سريعاً لتبحث عن القلوب المخلصة لتغدقها من مائها المنهمر وتسعدها بمواقفها المؤثرة.. اعذرني فلم تعد حمائم محبتك تراسل مشاعر الحب الساكنة في نفسي.. لأنك انشغلت مع رسائل الحياة الأخرى التي ألهتك.. وربما ألهتني معك عن العيش في أجمل مشاهد الحياة.. اعذرني.. ومع ذلك ما زلت أحبك..
- تفقد قلبك: تحتاج أن تتفقده في كل حين، وبخاصة مع إزعاجات الدنيا الكثيرة، تتفقده في علاقته مع المولى الكريم.. وتتفقده في الخيرات والطاعات والقربات.. تتفقده في علاقتك بالآخرين وفي طيبته وحمله للزلات والهفوات.. استفق قبل فوات الأوان.. يناديك في كل حين بهذه العبارة.. لأنه على يقين بأن صلاحه هو صلاح النفس.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».. تفقد قلبك قبل فوات الأوان..
- الهاتف الآلي: كتب عنه الأديب الشيخ علي الطنطاوي في ذلك الزمان.. كتب عن «الهاتف الآلي في البيت».. وكأنه يعيش اليوم بين ظهرانينا يروي حكاية «الهاتف الآلي النقال» الذي سرق من حياتنا أجمل اللحظات.. وبتنا نتنفسه في كل حين.. يقول الشيخ: «هو خادم أمين، وصديق وفي، ولكنه خادم أحمق، وصديق مجنون، يدخل الغليظ إلى غرفة نومك نصف الليل، فيوقظك ليزعجك بحديثه البارد، ويدخل الثقيل إلى مكتبك ساعة عملك، ليشغلك بكلامه الفارغ، ويأتيك بالجيران يهجمون عليك في خلوتك ووقت راحتك.. وهو بعد ذلك رقيب ثقيل، يعد عليك أنفاسك، ويحصي ألفاظك.. فإن أردتم أن نحصل على نعم «الهاتف»، ونخلص من نقمه، فعلموا الناس أصول الحديث فيه..».
- عملك: هل فكر الواحد منا في نعمة «الوظيفة» والعمل الذي يعمل فيه؟ هل قارن الموظف وظيفته بوظيفة أولئك الذين يعملون تحت لهيب أشعة الشمس الحارقة يبحثون معها عن رشفة ماء باردة تروي ظمأهم في شمس الهاجرة؟ هل فكر كل واحد منا براتبه الذي يتقاضاه مقابل حفنة الدنانير البسيطة التي ينتظرها عامل النظافة في نهاية الشهر؟ تصدقون أننا في نعمة كبيرة لا نحس بها أبدا في واقع العيش.. فالقلب يذوب من كمد وهو يعايش تلك الحالات المزرية لأسر متعففة تعيش في تلك الأزقة الضيقة تبحث عن لقمة عيش تنقذها من ضغط الحياة.. فأرباب تلك العائلات بلا عمل وبلا مال ثابت.. أو أنهم يعملون ولكن براتب زهيد وبعمل مضني يضعف الصحة.. في كثير من الأحيان نحتاج لنتأمل تلك الأحوال.. ونقارنها بأحوالنا.. يا ترى هل أنصفنا أنفسنا وأنصفنا أعمالنا التي نعمل فيها؟ هل كنا جادين بأن نحافظ على بيئة عمل جميلة نعمل بها.. إيجابياتها أكثر من أن تعد.. حافظوا على هذه النعمة واحمدوا المولى الكريم عليها، وأتقنوا فيها.. فإن النعم لا تدوم.
- نفوس صعبة: في كل محطات حياتك ترصد عدة مظاهر متعبة في نفوس من تتعامل معهم.. فيما بعد أطلقت عليها «النفوس الصعبة».. تقارن تلك النفوس مع «النفوس الشفافة» التي ارتضت أن تكون «عجينة» سهلة التكوين.. لأنها أيقنت أنها على موعد متكرر من حياتها تغير فيه منظومة تفكيرها وتعاملاتها وطبائعها الحياتية.. لأنها تدرك أنها تعيش للآخرة.. تقارنها لتجدها تراوح في مكانها وترفض التغيير.. أو أن تغير طبائعها وأساليب معاملاتها.. تلك النفوس ارتضت أن تعيش بعيداً عن «دبلوماسية» التغيير الحياتي التي تستلزم أن تعامل ظروف الحياة القاهرة بأسلوب مغاير عن «طبائع النفس».. فتفرض وجودها وأسلوب تعاملها مع كل موقف على حدة، وتتلون حتى تفرض احترامها في كل ميدان.. ستبقى «النفوس الصعبة» كلمة صعبة في قاموسنا، سيعتريها رياح النسيان ولو بعد حين..
* ومضة أمل:
شكراً لك ربي فأنت المنعم علي وصاحب الفضل في مسير حياتي.. شكراً لتلك الدمعات الساخنات التي تعيدني إلى صوابي كلما أخطأت في بحور الحياة.. وشكرا لذلك القلب الحاني الذي أشغلني بموارد الخير وأسعدني بحبه الصافي.. شكرا لوفاء صديقي الذي يراسلني ويسأل عني كلما غبت عن أنظاره..