أكثر التعقيدات الإقليمية في منطقة الخليج العربي هي التهديدات الإيراني لدول مجلس التعاون الخليجي، والبحرين في مقدمتها بحكم التاريخ الطويل من التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية البحرينية والتي لم تتوقف يوماً نتيجة للأيديولوجيا الثيوقراطية التي تتحكم بالسياسة الإيرانية والمصالح المرتبطة بها.
البحرين تعاملت مع التهديد الإيراني باستراتيجيات مختلفة، بين استراتيجية العلاقات المتذبذبة، واستراتيجية تطبيع العلاقات الثنائية، واستراتيجية قطع العلاقات. في جميع تلك الاستراتيجيات لم تستهدف القضاء على النفوذ الإيراني، ونقصد به هنا النفوذ الثقافي والأيديولوجي المنتشر في المجتمع المحلي، ومظاهره واضحة، قد تكون علماً أو شعاراً إيرانياً، أو قد تكون عبارات أو إعلانات مكتوبة بالفارسية، فضلاً عن الحديث بالفارسية في بعض الدوائر الحكومية أو مؤسسات القطاع الخاص.
سياسة البحرين تعاملت بحزم وجدية مع جميع التدخلات والتهديدات الإيرانية، لكنها لم تتعامل مع انتشار الثقافة الإيرانية الدخيلة على مجتمع البحرين، وهذا النفوذ الثقافي الهائل الذي جاء إلى البلاد. ليس المقصود هنا رفض كل ما في الثقافة الفارسية في ظل التداخل الثقافي الكبير بين الثقافة العربية والثقافة الإسلامية لاعتبارات تاريخية، بل المقصود محاربة كل ما من شأنه أن يساهم في تغيير الهوية الوطنية البحرينية المستمدة من العروبة والإسلام.
ندرك جيداً أن هناك محاولات إيرانية لتغيير وتزييف الهوية الوطنية الخالصة في البحرين، لكن هذه المحاولات يجب مواجهتها، كما تتم مواجهة المتورطين المنخرطين في معسكرات الحرس الثوري الإيراني لتنفيذ هجمات إرهابية داخل المملكة. نحتاج إلى جدية أكبر في مواجهة التمدد الثقافي الإيراني، وإلى استراتيجية فعالة لتحقيق هذا الهدف، وإن تطلب ذلك بعض التشريعات، فالخطر الثقافي الإيراني لا يقل خطراً عن التهديد العسكري الإيراني.
السياسة البحرينية تتعامل حالياً مع إيران وفق استراتيجية قطع العلاقات، وقد تتغير هذه الاستراتيجية بعد فترة قصيرة أو طويلة لمتغيّرات السياسة، لكننا يجب أن ندرك أن ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية ثابتة منذ أيام الشاه، والبحرين كانت ومازالت وستظل من تلك الثوابت، وسيتم العمل على استهدافها دائماً، وإن حصل ذلك التقارب بين دول مجلس التعاون وإيران كما حدث خلال الفترة الخاتمية.
لذلك من الأهمية بمكان أن يكون العمل على نقل كافة المعارف والحقائق الخاصة بالتدخلات الإيرانية للبحرينيين جيلاً بعد آخر، ولا يوجد ضرر بأن تكون تلك التدخلات موثقة في المناهج الدراسية، أو يكون هناك متحف خاص يوثقها يمكن زيارته كغيره من المتاحف والمراكز الثقافية.
كما واجهنا إيران بالسلاح والإعلام والمال والنفط، يجب أن نواجهها ثقافياً لتكوين وعي وطني بخطورة التهديدات الإيرانية، وهو الوعي المطلوب أن يتوارثه الأجيال بهدف حفظ البحرين وترابها.