عندما يهاتفك صديق ما وهو ذو مكانة كبيرة في المجتمع، وذو منصب رفيع المستوى، لأجل دعوتك لحضور منزله، وتلبي دعوته من بين المئات من معارفه وأصدقائه وحتى أقربائه، فأنت بديهياً ستشعر بالكثير من الاعتزاز والفخر، لكونه خصك بهذه الدعوة، ولكونه تذكرك، ولكونه أيضاً مهتم بأن تحضر منزله، ولكونه يحبك ويود رؤيتك.
كما أنك بديهياً ستهتم بمظهرك وأناقتك لكونك ستتوجه إلى منزله الفخم والكبير والذي سيحضره معك الكثير من الوجهاء وكبار شخصيات المجتمع، وقد تخطط للكثير، كأن تحضر معك شيئاً، وقد يصل الأمر أن تهتم بما سوف تقوله وبماذا ستتكلم عنه، أليس كذلك؟ فما بالك لو دعاك رب الكون سبحانه لحضور منزله وأكرمك بل ويسر لك ذلك فقط لأنه يريد أن ينعم عليك بألوف الحسنات وأنت تتوجه إلى بيته الحرام في أطهر بقاع الأرض «مكة المكرمة»، وإلى عاصمة دولة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام ومثواه «المدينة المنورة».
ما بالك لو الله اختارك من بين ملايين المسلمين في مختلف بقاع دول العالم، وأكرمك بتيسير زيارة بيته الحرام، في وقت يحرم الكثيرون من تلك الهدية لأسباب مختلفة، فالله سبحانه لا يمنح هذه المكرمة إلا لمن يود أن يكتب له أن يحضر بيته الحرام فعلاً، ويحظى بسيل الحسنات ويطيح بسيول السيئات. عندما يحرم أحدهم من زيارة دولة أو مكان عليه ألا يقلق كثيراً ولا يحزن بل كل القلق والحزن يجب أن يكون عندما يجد العمر يتقدم به والله لم يكرمه بعد بزيارة بيته الحرام لأداء فريضة العمرة أو الحج فتلك الخسارة الفادحة أصلاً!
كثيرون من المسلمين يسكنون في مناطق ودول قريبة من مكة المكرمة، ولم يكرمهم الله تعالى بل ولم يسخر له فطنة زيارة بيته الحرام وأداء فريضة العمرة على الأقل ولو مرة في حياتهم، وقد تجاوزت أعمارهم الأربعين والخمسين سنة، وذلك مؤشر ليس بجيد ينبغي على المسلم أن يفطن له، ويراجع نفسه فيه، وهناك قصة مشهورة عن امرأة سخر لها الله زيارة بيته الحرام فلما ذهبت لم ترَ الكعبة بسبب سوء أعمالها وعظمة الجرم الذي كانت تقترفه فما بالك بمن حرمه الله من زيارته بيته المبارك «خير شر وبالمرة!». نأتي لمن يسخر الله لهم زيارة بيته الحرام، وللاسف لا ينتبهون الى الكثير من الأمور، حيث تجدهم أحرص الناس على التأنق والاهتمام بمظهرهم، وحتى ما يرتدونه وهم يتوجهون إلى مناسبات الناس، ولكنهم عند الاتجاه إلى بيت الله الحرام تجدهم لا يهتمون بمظاهرهم، ويحدث أن يرتدي أحدهم ملابسه القديمة بدعوى أنه سيرميها لاحقاً، ولن يعود بها إلى وطنه!
كثيرون للأسف لا يهتمون حتى بالاستعداد لزيارة بيت الله الحرام كما ينبغي، والتركيز على الاستغفار وتلاوة الأدعية والأذكار وتحضير نفسه وتهيئتها لهذا المكان الروحاني الجميل، والحشمة في المظهر وحسن السلوك والأخلاق، حتى وصل الحال ببعض من يتوجهون إلى هناك من النساء للأسف إلى وضع مساحيق المكياج وإلى ارتداء العباءات الملونة و»الشعر طالع» ووضع «المانيكير»!
في إحدى خطب الجمعة، خطب إمام المسجد الحرام عن سلوك بعض الفتيات للأسف، ونبه إلى تعجبه واستغرابه من مناظرهن وهن يأتين لأداء العمرة، بل الأغرب ما يحدث في باصات العمرة عند البعض من لهو وتعارف، بل هناك من وصل الأمر به إلى الترقيم والغناء والتطبل!! وأغرب ما سمعته عن تشغيل أحدهم أغنية في الباص وهم يغادرون الوطن للاتجاه إلى المملكة العربية السعودية! ونحن هنا لا نقصد التعميم إنما نقصد التنبيه عن فئة معينة للأسف لا تفقه أن العمرة التي أكرمهم الله بها هي نعمة، فهناك من يعيشون طيلة حياتهم وتصل أعمارهم إلى الستين والسبعين عاماً لأجل انتظار الحصول على تأشيرة زيارة بيت الله الحرام، وجمع المبالغ الكافية لأداء فريضتي العمرة والحج، وهناك من أغشاهم الله وأشغلهم عن زيارة بيته الحرام ووضع لهم الأسباب والموانع التي تعيقهم، لأنه بالأصل لا يريدهم في بيته، ولا يريد أن ينعم عليهم بمكرمة الحسنات الكثيرة ومحو السيئات، بل تجد في تصرفات البعض ما يحوي اليك أنهم يعتقدون أن العمرة رحلة ترفيهية «ووساعة صدر أستغفر الله»!
الله خاطب حواسك وذاكرتك لأجل أن تزور بيته الحرام، في أطهر بقاع الأرض، لكي تطهر نفسك وروحك من السيئات ولكي تتزين بعظيم الحسنات، لأنه يريدك أن تزوره ولأنه يريدك مع جموع المسلمين عند الكعبة المشرفة، فعليك وأنت تنوي التوجه أن تحمده كثيراً على هذه المكرمة العظيمة، وأن تشعر بالكثير من الاعتزاز والفخر لانه اختارك مع ملايين المسلمين لان تكون في بيته الحرام المبارك لأن تقلل من احترام هذه المكرمة بسلوكيات ومظهر بعيد عن احترام هذه العبادة.
* إحساس عابر:
كثير من المسلمين يستحضرون ذكرى عاشوراء بممارسة عدد من الشعائر الدينية، كالصوم اقتداء بالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، والصحابة رضي الله عنهم، واستحضار قصة سيدنا الحسين رضي الله عنه، في كونه سيد شباب أهل الجنة، وقضاء الله وقدره أن يكون شهيداً، كما أنها مناسبة تذكرنا بقصة نجاة سيدنا موسى من فرعون، كما يقوم كثير من البحرينيين بالذات ولكون الدولة تمنح يومين إجازة في التاسع والعاشر من محرم، بالتوجه لأداء فريضة العمرة مما جعل أشقاءنا الخليجيين يصفون موسم العمرة خلال هذه الفترة بـ «عمرة البحرينيين».