يبدو أن الكونجرس الأمريكي مصمم على المضي قدماً في مغامرته – كما وصفتها في مقالي السابق – مع قانون «العدالة ضد الإرهاب» أو ما يعرف بـ «جاستا»، والذي يتيح لذوي ضحايا الهجمات «الإرهابية» من الأمريكيين مقاضاة دول أخرى تورط مواطنيها في تنفيذ تلك الهجمات، والحصول على تعويضات مالية من تلك الدول.
وهي سابقة في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث إن الكونجرس نقض «الفيتو» الرئاسي الذي استخدمه أوباما ضد «جاستا»، ولأول مرة بعد 11 فيتو رئاسي استخدمه أوباما في عهده لم يتم رفض أي منها من الكونجرس.
هذا التصعيد أو المغامرة من الكونجرس في اعتقادي ما هي إلا دعايات انتخابية من أعضاء مجلس النواب الأمريكي الذين سيدخلون في انتخابات في نوفمبر المقبل، وبالتالي يرغبون بالتأكيد في إعادة انتخابهم من الشعب، ولن يجدوا «سلاحاً» أفضل من «دغدعة» مشاعر ناخبيهم واستدرار عاطفتهم عبر «جاستا».
فليس من المعقول ولا من المنطق أن يستمر الكونجرس الأمريكي في مغامرته بشأن القانون، بالرغم من كل التحذيرات التي طالبت بمنع اقراره، سواء على الصعيدين، المحلي الأمريكي أو الدولي، كالتحذيرات التي أطقلها الرئيس الأمريكي، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، وعدد ليس بقليل من المسؤولين الأمريكيين السابقين والحاليين الذي رفضوا هذا القانون على اعتبار أنه يضر بالمصالح الأمريكية ويؤثر على علاقاتها الخارجية خاصة مع الحلفاء وما تسميهم أمريكا بـ «الشركاء في محاربة الإرهاب»، إلى جانب ما يتسبب به القانون من اضعاف الحصانة السيادية للدول بما فيها الولايات المتحدة.
وأرى أن الكونجرس مطالب بالحكمة والتعقل أكثر، والاستفادة من التقارير التي نشرت في الإعلام الأمريكي حول سلبيات وتأثيرات قانون «جاستا»، مثل التقرير الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية والتي أكدت من خلاله أن هذا القانون قد يدفع دولًا أخرى للانتقام، وقد يعرّض الولايات المتحدّة لدعاوى قضائية خاصة في محاكم أجنبية، على خلفية عملياتها العسكرية والاستخباراتية خارج البلاد، وقد يدفع بعض الدول إلى إعادة النظر في تحالفاتهم مع الولايات المتحدة، خاصة أن البعض – والحديث للصحيفة – اقترح على السعودية والحلفاء الإقليميين بالرد على ما اعتبروها خيانة من الولايات المتحدة، من خلال تقليل حجم الاستثمارات في بلادها أو تخفيض مشاركاتها في البرامج الأمنية والعسكرية المشتركة.
ونفس الاتجاه ذهبت إليه صحيفة «ذا هيل» الأمريكية – المعنية بتغطية أخبار الكونجرس – فقد نشرت تحذيرات من سيناتور سابق وهو من المحاربين القدامى في فيتنام ويدعى لاري بريسلر الذي قال ان «»جاستا» سيفتح الأبواب لمقاضاته بتهم منها الإرهاب، ومعه الكثير من الجنود الذين حاربوا في فيتنام»، مطالباً «بالدفع نحو تقديم مشروع قانون جديد يبطل «جاستا»»، مؤكداً أن «المحاربين في فيتنام، مثلي، هم الأكثر عرضة للخطر بسبب القانون».
الغريب في الأمر أن رئيس مجلس النواب الأمريكي بول ريان أقر في مؤتمر صحفي أن «»جاستا» يحتاج إلى تعديلات وإصلاح، تجنباً لمواجهة القوات الأمريكية لمشاكل قانونية في الخارج، ويجب إعادة النظر في العواقب» التي وصفها بـ»غير المقصودة» للقانون، لكنه قال انه «لا يعرف ما إذا كان الكونجرس سوف يحاول إصلاح القانون، عندما يجتمع في دورته الجديدة بعد الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل، وهذا ما اعتبره تخبطاً جديداً من الكونجرس»، وقد أقر به رئيس النواب شخصياً لقانون لا يعرف كيف يمكن إصلاحه أو تعديله أو إعادة النظر فيه، ولكن يدرك جيد أنه يضر بأمريكا وعلاقاتها في الخارج.
هذا التخبط يؤكد صحة ما أطلقته على هذا القانون وهو «مغامرة»، وكما يعلم الجميع أن نهاية المغامرات غير مضمونه أو غير مؤكدة النجاح، فأحياناً تنجح وأحياناً لا، وهذا ما على الكونجرس الأمريكي إداركه، لأن مغامرتهم المستمرة عبر «جاستا» غير مبشرة بالنجاح.