شدّني ما جاء في العنوان أعلاه، وهما مقطعان من حوار دار بين زميليّ في «مجموعة مراقبة الخليج»، فبينما يرى أحدهما «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب - جاستا» الذي أقره الكونغرس الأمريكي مؤخراً، شراً، يستشرف الآخر من ورائه خيراً كثيراً!! وقبل أن أخوض في الحديث عن «جاستا»، فلنرجع للوراء قليلاً، بذاكرتنا أو بما وصل إلينا من علم لأحداث لم نشهد بداياتها لحداثة سن بعضنا، إلى 1980 تحديداً، عندما قام مجلس التعاون الخليجي، كمنظمة إقليمية بدوافع التكاتف لمواجهة الخطر الإيراني، حتى أننا نكاد نشكر الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية، رغم ما أفرزته من تداعيات كان من الصعب احتواؤها، إلاَّ أنها من جهة أخرى، جمعت الأيادي الخليجية الست لتقسم على مصير واحد مشترك والخوض ذات المعترك.
قد يستهجن البعض الوقوف على قيام مجلس التعاون الخليجي في معرض الحديث عن «جاستا»، باعتبار الأول من المعلومات الترفية التي لم نعد بحاجة لتداولها، ولكني أمررها هنا لأننا بحاجة لتذكرها في كل حين، وكيف أن الأزمات جمعت دول الخليج العربي على قلب رجل واحد أو يكاد، بحاجة لتذكرها أننا قبالة أزمة جديدة نحتاج أن نقيم لها الصفوف ونحاذي لأجلها بين المناكب والأعناق، ونسد الخلل، لكي لا يجد شياطين السياسة الدولية ثغرات يفسدون بها تكاملنا، أو يهددون بها ما تبقى من أمننا.
«مرحى لجاستا».. لأن «جاستا» المحرك الجديد لقيام الوحدة الخليجية، لمواجهة تهديد الوجود الذي تتعرض له دول الخليج العربي مؤخراً، و»تباً لجاستا».. لأن «جاستا» لا تعدو على كونها باب ابتزاز أمريكي صريح لتجفيف منابع الخليج العربي المالية لضمان خضوعنا لصنّاعها، «تباً لجاستا».. لأن «جاستا» ليست إلاَّ قالب جديد من قوالب الإدانة التي يتفنن الأمريكيون في خلقها لنا، لاسيما وأننا رغم ما تعانيه المنطقة من ويلات الإرهاب، لا تزال دول الخليج طاهرة لم تلوث أياديها الدماء ولم تتورط بتهديد الآمنين ما منع من دخولها قوائم الدول الراعية للإرهاب، حتى كلّ وملّ المراقب الأمريكي وقرر أن يدفع الأمور بهذا الاتجاه قسراً وعنوة.
يواجه قادة دول الخليج العربي اليوم، لاسيما مع اقتراب موعد قمتهم الخليجية، ظروفاً صعبة وخيارات محدودة، وأصبح الخليج مطالباً لمواجهة الافتراءات الأمريكية وأنيابها الطوال بإعادة نفس السيناريو الذي صاغه قبل 36 عاماً لمواجهة الخطر الفارسي بوتيرة سريعة. أمامنا محن بمقدورنا تحويلها إلى منح إذا ما عملنا بالوتيرة العالية التي عملنا بها في وقت مضى، فهل سيتخذ قادة دول الخليج العربي في قمتهم القادمة قرارات حاسمة كما عودونا للوقوف في وجه تسونامي «جاستا»؟ نحن متأكدون من ذلك، والفرص المتاحة أمام دول الخليج كبيرة لاسيما في ظل تشكيك أعضاء الكونغرس من جدوى قرارهم وصحته وتداول بعضهم أنه ربما كان هذا القرار مستعجلاً.
* اختلاج النبض:
بقدر ما أؤيد الصديق الذي قال «تباً» ويزعجني تأليب المصائب على دولنا تباعاً، إلاَّ أنه مرحى لاستيقاظنا لأهمية الرقي بمجلس التعاون الخليجي من هيكله الحالي إلى هيكل وحدوي أكثر قوة من خلال «قمة جاستا» المقبلة.