البحرين كدولة بنظامها بمؤسساتها بحكومتها بشعبها، وبموقعها الجغرافي وجلالة الملك كحاكم لهذه الدولة يلعبان دوراً مهماً في حفظ أمن المنطقة واستقرارها وفي مكافحة الإرهاب بجميع أنواعه وعلى أكثر من صعيد، وينعكس ذلك على الأمن الدولي واستقراره مثلما ينعكس ذلك على توفير بيئة مناسبة تصلح للتعايش وخلق فرص عمل وتحسين مستوى معيشي. والجائرة التي منحت أمس لجلالة الملك حفظه الله من منظمة «السي ثري» وهي منظمة أمريكية عربية تعنى بالبحث عن أوجه فرص التعاون الأمريكي العربي لتوفير هذه البيئة الآمنة صحياً ومعنوياً للمجتمعين الأمريكي والعربي، منحت لجلالته لقدرته كحاكم على حفظ الاستقرار في مملكة البحرين، والذي بدونه أي بدون الاستقرار لا يمكن أن نتحدث عن تنمية وعن تحسين مستوى المعيشة وعن تقديم خدمات صحية أو تعليمية، ولا عن تعايش سلمي لأصحاب الديانات المتعددة ضمن هذه المساحة الجغرافية الصغيرة. وقبل أن أتحدث عن الجائزة ومعاييرها بودي أن أتحدث عن منظمات أمريكية عربية كهذه «c3» أعضاؤها الأمريكيون هم بناة العلاقة الأمريكية العربية القديمة وضيوفها وأصدقاؤها والمتحدثون في محافلها هم أصحاب الحلف الخليجي الأمريكي القديم الذي بقي إلى السنوات الأخيرة محققاً المصالح المشتركة للاثنين معاً، حتى جاء الديمقراطيون وجاءت هذه الإدارة وهدمت هذا البناء العظيم وتركته للرياح تلقي به حيث تشاء، لذا فهم حين يتحدثون عن المنطقة ورجالها فإنهم يقفون على أرضية واقعية وتاريخية صلبة قامت على أسس التواجد الفعلي في المنطقة والاحتكاك المباشر مع شخوصها ونظمها وشرائحها المجتمعية، على عكس الإدارة الحالية التي جاءت من أروقة الجامعات والأوراق البحثية التنظيرية المنطلقة من فرضياتها، لذلك لا يعرف أن يقدر المنطقة وأصحابها إلا من خبرها عن قرب، وهؤلاء يعرفون جيداً معنى أن تحافظ دولة صغيرة كالبحرين على أمنها وقدرتها على التعايش ويقدرون حجم الجهد الذي يبذل لتحقيق هذا الإنجاز. فالاستقرار لم يتحقق إلا بإدارة وبنظام سياسي حكيم وذكي يعرف كيف يقود سفينة الحكم في موج مضطرب كموج منطقتنا ووسط تحديات كالتي تواجهها البحرين في هذه المرحلة الحرجة. الاستقرار لن يتحقق إلا بقدرة فذة على مكافحة أوجه الاضطراب في المنطقة وعلى رأسها التهديدات الإرهابية لإيران وأدواتها في المنطقة، وتلك تهديدات خضعت لها لبنان والعراق وسوريا واليمن -إلى حين- ونجت منها البحرين. القدرة على السير وسط هذه الاضطرابات والاحتفاظ بهذا المستوى من الأمن والسلام وهذا القدر الكبير من التعايش السلمي بين أصحاب الديانات المختلفة في دولة كالبحرين قليلة بمواردها هو إنجاز كبير يستحق فعلاً أن يفوز بجائزة. الأمور تقاس بظروفها الزمانية والمكانية وبما يسود العالم من حولنا، وعلى هذا السلم التراتبي تأتي البحرين في المراتب العليا من درجات الأمن والسلام، إذ تعتبر البحرين ملاذاً تاريخياً للعديد من الباحثين عن الاستقرار والطمأنينة من شتى بقاع العالم وذلك يعد سمة من سمات مملكتنا ومميزاتها التي نفاخر بها الأمم، ووقفت البحرين تنافح عن هذه الميزة رغم العديد من المحاولات والضغوطات الخارجية والمحلية لتغيير وجه البحرين التسامحي من قبل جماعات دينية متعصبة حاولت أن تجعل من البحرين حصناً مسوراً لجماعتها فحسب، كل منها يدعي أنها هي شعب الله المختار، وأبت البحرين ومليكها إلا الثبات على تاريخ حكمها ونظامها الاجتماعي والسياسي كدولة منفتحة على الجميع وتسامحها يفتح المجال لاستقرار كل الراغبين في الأمن والسلام على أرضها. أرض فتحت -ومازالت- ذراعيها لجميع البشر ومن يرغب في البناء والتعمير منهم، تركت لهم حرية العبادة وحرية التفكير وحرية التعبير على أن يلتزموا بقوانين وضوابط تحفظ حقوق الآخرين وتحفظ حق السيادة الوطنية، وهكذا بنو البحرين الأصيلة أجناس من كل الديانات ومن كل الأعراق ومن كل الأصول جنباً إلى جنب دون تعصب ودون احتكار للحق تحت مظلة الحكم الخليفي لأكثر من 200 عام. في زمن كزماننا في وقت كوقتنا في ظرف كظرف منطقتنا فإن البحرين نموذج فردي متفرد بنوعه، والقدرة على الاحتفاظ بهذا التفرد لم تكن عملية سهلة أبداً، فالضغوط التي تعرضت لها البحرين كان بإمكانها أن تدفعها للانغلاق وكان ذلك سيكون حقاً مشروعاً لها، إنما أصر جلالة الملك على بقاء جميع الامتيازات الاجتماعية والسياسة والاقتصادية التي يتمتع بها البحرينيون والمقيمون دون مساس في ذات الوقت الذي كانت فيه البحرين تحارب من أجل البقاء في مواجهة أكبر التهديدات الأمنية وأخطرها، ونجحت بفضل هذه الإدارة الحكيمة للأزمات أن تتعدى هذه المرحلة وتنتقل لما بعدها في الوقت الذي سقطت فيه دول أكبر وأكثر إمكانية وقدرة منها. مبروك إذاً للبحرين كحاكم لها نال جائزة الإنجاز عن جدارة ومبروك جلالة الملك.