حديث صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء الموقر حفظه الله، أمس عن الجمعيات السياسية، يحتاج إلى وقفة.
قبل الخوض في التفاصيل، لا بد من الإيضاح بأن إنشاء الجمعيات السياسية في البحرين تم بفضل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وجاء من منطلق أن حراك هذه الجمعيات «وطني» بحت، بحيث تكون أداة بناء للمجتمع المدني المتحضر في ممارساته الديمقراطية.
المشكلة أن أجندات بعض الفئات وأطماعها في البلد، حرفت عمل بعض الجمعيات السياسية، وأخرجتها عن مسارها الصحيح، بل حولتها لمسار انقلابي صريح، بانت نتائجه واضحة في انقلاب 2011.
المفهوم الخاطئ للبعض بشأن الجمعيات السياسية، جعل كثيرين ممن ينتمون لها يظنون بأن هذه الجمعيات لا بد وأن تمارس المعارضة المتطرفة والراديكالية، حتى توصف بأن جمعيات «مجتمع مدني»!
والأصح بأن جمعيات «المجتمع المدني» هي التي تخدم المجتمع المدني من منطلقات وطنية، جمعيات لديها استراتيجيات عمل لتخدم الوطن والمواطن، وتعزز الإصلاحات في البلد، لا أن تتحول لجمعيات تريد الانقلاب على شرعية النظام الحاكم، وجمعيات تجاهر بأنها «تدوس» على القانون، هذا القانون الذي هو فوق الجميع في مملكة البحرين.
لذلك فإن كلام الأمير خليفة أمس بمثابة التذكير للجمعيات السياسية بدورها الوطني المفترض، وأن عليها وضع الوطن دائماً نصب عينها في أي عمل وتحرك.
ما يبهرك في الأمير خليفة بن سلمان هو «تشخيصه» الحكيم لأي مشهد، فحين تحدث أمس بشأن الجمعيات في استقباله لجمعية الميثاق، رسم بكلامه خارطة طريق صريحة وواضحة للدور الوطني لهذه الجمعيات، ليس توجيهاً أو أمراً، بل نصيحة قائد خبير في الإدارة ورمز رفيع المستوى في الوطنية، فهو دائماً ما يذكر الناس بالواجبات الوطنية تجاه هذه الأرض الطيبة، وهي واجبات للأسف كثيراً ما ينساها الناس.
الجمعيات السياسية دورها لا ينفي وجود صوت ناقد وحراك مشاكس مع الأجهزة الإدارية والتنفيذية وحتى التشريعية الأخرى، فهي يجب أن يكون لها رأي معبر عن الناس، وموصل لهمومهم وتطلعاتهم، لكن كل هذا يجب أن يكون في قالب وطني همه الأول والأخير صالح الوطن والمواطن.
وعليه، فإن ما ذكر به الأمير خليفة من دور مهم لهذه الجمعيات يركز على إبراز غيرتها على الوطن وانتمائها القوي له، خاصة في ظل ما تتعرض له مملكة البحرين من حملات ممنهجة لاستهدافها وتشويه صورتها والتقليل من منجزاتها، بالتالي على الجمعيات السياسية الوطنية أن يكون صوتها مرتفعاً في الدفاع عن وطنها، في إبراز منجزاته، في التصدي لعمليات «غسل الأدمغة» الممارس من جمعيات انقلابية، في نبذ العنف والإرهاب، وفي تعزيز قيم المواطنة ونشر الوعي السياسي.
وللتاريخ وإحقاق الحق نقول في حق كثير من جمعياتنا السياسية الوطنية، وأضع ألف خط تحت كلمة «وطنية»، بأن لهذه الجمعيات التي يعرفها المواطن البحريني المخلص، لها مواقف وطنية يشاد بها، وقفات تفخر البحرين بها وتوثق في سجلات التاريخ، خاصة تلك التي وقفت وتصدت لمؤامرة الانقلاب الفاشل قبل خمس سنوات، وفي تحركات كوادر وطنية مخلصة من هذه الجمعيات للظهور في الإعلام الخارجي والتصدي للأكاذيب والفبركات.
هذه الجمعيات الوطنية هي التي يجب أن تدعم وتسند، وفي المقابل هي التي يجب أن يزيد نشاطها الوطني، وألا تتقاعس في عملية التوعية السياسية وغرس معاني ومبادئ الوطنية عند النشء الصاعد.
حرية الممارسة السياسية مكفولة، كفلها دستورنا ونظمتها قوانيننا، بالتالي من يدعي أن هناك استهدافاً للجمعيات السياسية، عليه أن يصحح المعلومة، ويستوعب المشهد على حقيقته، إذ هي ليست مؤسسات «مجتمع مدني» تلك التي تحارب المجتمع المدني ومكوناته، ليست جمعيات سياسية تلك التي تحولت لأدوات في يد جهات أجنبية، تضرب بلدها وتشوه سمعتها، هذه جمعيات انقلابية انتهكت القانون وتجاوزته وارتكبت جرائم كثير منها مذكور في المحظورات بقانون الجمعيات ومنها ما هو مجرم في قانون العقوبات.
مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية، هي التي تبني أوطانها لا التي تهدمها، هي التي ولاؤها للأرض ولعروبتها وانتماؤها للخليج العربي لا لجهات أجنبية أخرى، هي التي ينطلق عملها من دوافع وطنية وينطلق من الرغبة في البناء والتطوير، كما قال الأمير خليفة.
هذه مؤسسات المجتمع المدني، أم الذين حاولوا بيع الوطن، فهم مؤسسات «انقلاب» على وطني وبامتياز.