كيف يمكن للاقتصادات الخليجية التطور والنمو في عالم يمور بالصراعات، وتفشي التطرف، وتزايد الحروب الإقليمية، وانتشار الإرهاب؟
معظم دول مجلس التعاون الخليجي لديها طموحات اقتصادية عالية المستوى، ولديها تطلعات مستقبلية جادة، وبدأت تفكر في مستقبل دولها في مرحلة ما بعد النفط التي تفصلنا عنها رسمياً أقل من قرن في أقصى التقديرات والاحتمالات. لذلك دشنت تصورات ورؤى مستقبلية، وعملت على تنفيذها بجدية.
بينما تعمل الدول الخليجية على تنفيذ تصوراتها المستقبلية، وتواصل في تراكم الإنجازات تلو الأخرى، فإنها تعيش إقليماً غير مستقر، بينها قوة إرهابية لديها أطماع توسعية، ولن تتوقف الأخيرة عن تحقيق استراتيجياتها. إضافة إلى ذلك فإن حال الفوضى المستقرة بات أكثر وضوحاً من ذي قبل، ولا يبدو أن هناك فرصاً قريبة لإعادة الاستقرار إلى الخليج العربي أو الشرق الأوسط الذي تتأثر دول مجلس التعاون به بالدرجة الأولى.
الموازنة بين التنمية الاقتصادية في دول مجلس التعاون من جهة ومواجهة التحديات الأمنية والسياسية والعسكرية من جهة أخرى معادلة صعبة ومعقدة، لكنها ليست مستحيلة.
لتحقيق التوازن في معادلة التنمية والأمن، لابد من تحقيق مبدأين أساسيين، وهما: فصل المصالح الاقتصادية عن الخلافات السياسية، وتعظيم المصالح الاقتصادية.
دول كثيرة اختلفت سياسياً، بل ودخلت حروباً، ودول غزت أراضي دول واحتلتها ولم تعالج هذه المشاكل نهائياً، لكن الأطراف المختلفة لديهم قناعة بأن المصالح أكبر وأهم من معالجة الخلافات والصراعات السياسية. لذلك عملت على تطوير المصالح والعلاقات الاقتصادية، حتى صار صعباً استغناء كل طرف عن الآخر.
بمثل هذين المبدأين يمكن تحقيق معادلة التوازن بين التنمية والأمن، ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي التعامل مع إقليم غير مستقر، وتحديات لا تتوقف.
نسبياً استطاعت دول مجلس التعاون خلال الفترة الماضية اتباع هذين المبدأين مع العديد من القوى الإقليمية والدولية، وبات هذا التوجه ناجعاً، لكن من غير المعلوم إمكانية استمراره لفترة زمنية أطول، أو بمعنى آخر إمكانية صموده في ظل تقلبات الخلافات السياسية والصراعات المتتالية.
ستواصل دول المنظومة الخليجية تحقيق المكاسب والإنجازات اقتصادياً بسبب طبيعة نماذجها الاقتصادية، ومساعيها لتحقيق رؤاها الطموحة رغم كل التحديات. لكن تحصين الجبهة الداخلية والخارجية مهم للغاية، وهذا لا يمكن أن يتحقق بجهود فردية، بل يتطلب جهوداً جماعية مشتركة بين دول المنظومة.
تعظيم المصالح الاقتصادية بين دول مجلس التعاون وصلت إلى مراحل متقدمة، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة التضامن الاقتصادي. قد يكون التضامن واضح سياسياً وعسكرياً وأمنياً، لكن التضامن الاقتصادي الخليجي لم يتحقق بعد باعتباره المرحلة الأكثر تقدماً معادلة التوازن بين التنمية والأمن.